البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٤٤
لا يقبل الزيادة ولا النقص، فلا يجوز أن يبنى منه أفعل التفضيل، لأنه لا تفاضل فيه، فتعين أن تكون الوسطى بمعنى الأخير والأعدل، لأن ذلك معنى يقبل التفاوت، وخصت الصلاة الوسطى بالذكر، وان كانت قد اندرجت في عموم الصلوات قبلها، تنبيها على فضلها على غيرها من الصلوات، كما نبه على فضل جبريل وميكال في تجريدهما بالذكر في قوله :
وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ «١» وعلى فضل من ذكر وجرد من الأنبياء بعد قوله :
وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ «٢» الآية، وعلى فضل النخل والرمان في قوله : فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ «٣» وقد تكلمنا على هذا النوع من الذكر في قوله :
وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ «٤».
وكثر اختلاف العلماء، من الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم، في المراد بالصلاة الوسطى، ولهذا قال سعيد بن المسيب : كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الصلاة الوسطى هكذا، وشبك بين أصابعه.
والذي تلخص فيه أقوال :
أحدها :
أنها العصر، قاله عليّ
، وابن مسعود، وأبو أيوب، وابن عمر في رواية، وسمرة بن جندب، وأبو هريرة، وابن عباس في رواية عطية، وأبو سعيد الخدري، وعائشة في رواية، وحفصة، والحسن بن المسيب، وابن جبير، وعطاء في رواية، وطاووس، والضحاك، والنخعي، وعبيد بن حميد، وذر بن حبيش، وقتادة، وأبو حنيفة، وأحمد، والشافعي في قول، وعبد الملك بن حبيب، من أصحاب مالك، وهو اختيار الحافظ أبي بكر بن العربي في كتابه المسمى (بالقبس في شرح موطأ مالك بن أنس) واختيار أبي محمد بن عطية في تفسيره، وقد استفاض من الحديث الصحيح
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال يوم الأحزاب :«شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، ملأ اللّه قلوبهم وبيوتهم نارا».
وقال عليّ : كنا نراها الصبح حتى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذلك، فعرفنا أنها العصر.
وروى أبو مالك الاشعري، وسمرة بن جندب : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر
، وفي مصحف عائشة، وإملاء حفصة : والصلاة الوسطى وهي العصر، ومن روى : وصلاة العصر، أول على أنه عطف إحدى الصفتين على الأخرى.
(١ - ٤) سورة البقرة : ٢/ ٩٨.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣/ ٧.
(٣) سورة الرحمن : ٥٥/ ٦٨.