البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٤٨
والأظهر حمله على السكوت، إذ صح أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة، حتى نزلت :
وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فأمروا بالسكوت. والمعنى : وقوموا في الصلاة.
وروي أنهم كانوا إذا قام أحدهم إلى الصلاة هاب الرحمن أن يمدّ بصره، أو يلتفت، أو يقلب الحصا، أو يحدّث نفسه بشيء من أمور الدنيا، وإذا كان القنوت في الآية هو السكوت على ما جاء في الحديث
، فأجمعوا على أنه : لو تكلم عامدا وهو يعلم أنه في الصلاة، ولم يكن ذلك في إصلاح صلاته، فسدت صلاته إلّا ما روي عن الأوزاعي : أن الكلام لإحياء نفس، أو مثل ذلك من الأمور الجسام، لا يفسد الصلاة.
أو : ساهيا، فقال مالك والشافعي : لا تفسد، وعن مالك في بعض صور الكلام خلاف بينه وبين أصحابه، وقال أبو حنيفة، والثوري : تفسد كالعمد، لإصلاح صلاة كان أو لغيره، وهو قول النخعي، وعطاء، والحسن، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان.
واختلف قول أحمد فنقل الخرقي كقول أبي حنيفة، ونقل الأثرم عنه : إن تكلم لإصلاحها لم تفسد، أو لغيره فسدت، وهذا قول مالك.
وفي قوله : وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ دليل على مطلوبية القيام، وأجمعوا على أن القيام في صلاة الفرض واجب على كل صحيح قادر عليه، كان منفردا أو إماما؟ واختلفوا في المأموم الصحيح يصلي خلف إمام مريض قاعدا لا يستطيع القيام، فأجاز ذلك جمهور العلماء : جابر بن زيد، والأوزاعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو أيوب، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو خيثمة، وابن أبي شيبة، ومحمد بن إسماعيل، ومن تبعهم من أصحاب الحديث مثل : محمد بن نصر، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة : فيصلي وراءه جالسا على مذهب هؤلاء، وأفتى به من الصحابة : جابر، وأبو هريرة، وأسيد بن حضير، وقيس بن فهر. وروى هذا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أنس، وعائشة، وأبو هريرة، وجابر، وابن عمر، وأبو أمامة الباهلي.
وأجازت طائفة صلاة القائم خلف صلاة المريض قاعدا، وإلى هذا ذهب : الشافعي، وداود، وزفر، وجماعة بالمدينة، وهي رواية الوليد بن مسلم عن مالك وهي رواية غريبة عنه.
والمشهور عن مالك أنه لا يؤم أحد جالسا، فإن فعل بطلت صلاته وصلاتهم إلّا إن كان عليلا، فتصح صلاته وتفسد صلاتهم، وإلى هذا ذهب محمد بن الحسن، قال أبو حاتم محمد بن حبان البستي : وأول من أبطل صلاة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه جالسا المغيرة بن