البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٦
الشافعي، وهو صوم رمضان. ولا ترقي بين نقص وشيء، على ما اختاره من عطف نقص على بشيء، بل الترقي في العطف بعد ونقص، فبدأ أولا بالأموال، ثم ترقى إلى الأنفس.
وأما والثمرات، فجاء كالتخصيص بعد التعميم، لأنها تندرج تحت الأموال، فلا ترقي فيها.
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ : خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم، أو لكل من تتأتى منه البشارة، أي على الجهاد بالنصر، أو على الطاعة بالجزاء، أو على المصائب بالثواب، أقوال : والأحسن عدم التقييد، أي كل من صبر صبرا محمودا شرعا، فهو مندرج في الصابرين. قالوا : والصبر من خواص الإنسان، لأنه يتعارض فيه العقل والشهوة، وهو بدني. وهو : إما فعلي، كتعاطي الأعمال الشاقة، وإما احتمال، كالصبر على الضرب الشديد، ونفسي، وهو قمع النفس عن مشتهيات الطبع. فإن كان من شهوة الفرج والبطن، سمي عفة. وإن كان من احتمال مكروه، اختلفت أساميه باختلاف المكروه. ففي المصيبة يقتصر عليه باسم الصبر، ويضاده الجزع. وإن كان في الغنى، سمي ضبط النفس، ويضاده البطر. وإن كان في حرب، سمي شجاعة، ويضاده الجبن. وإن كان في نائبة مضجرة، سمي سعة صدر، ويضاده الضجر. وإن كان في إخفاء كلام، سمي كتمانا، ويضاده الإعلان. وإن كان في فضول الدنيا، سمي زهدا، ويضاده الحرص. وإن كان على يسير من المال، سمي قناعة، ويضاده الشره. وقد جمع اللّه أقسام ذلك وسمى جميعها صبرا، فقال : وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ «١»، أي المصيبة والضرّاء، أي الفقر وحين البأس، أي المحاربة. قال القفال :
ليس الصبر أن لا يجد الإنسان ألم المكروه، ولا أن لا يكره ذلك، إنما هو حمل النفس على ترك إظهار الجزع، وإن ظهر دمع عين، أو تغير لون، ولو ظهر منه أول ما لا يعد معه صابرا ثم صبر، لم يعد ذلك إلا سلوانا.
الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ : يجوز في الذين أن يكون منصوبا على النعت للصابرين، وهو ظاهر الإعراب، أو منصوبا على المدح، فيكون مقطوعا، أو مرفوعا على إضمارهم على وجهين : إما على القطع، وإما على الاستئناف، كأنه جواب لسؤال مقدر، أي : من الصابرون؟ قيل : هم الذين الذين إذا. وجوزوا أن يكون الذين مبتدأ، وأولئك عليهم خبره، وهو محتمل. مصيبة : اسم فاعل من أصابت، وصار لها اختصاص بالشيء المكروه، وصارت كناية عن الداهية، فجرت مجرى الأسماء ووليت العوامل. وأصابتهم مصيبة : من التجنيس المغاير، وهو أن يكون إحدى الكلمتين اسما والأخرى فعلا، ومنه :
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٧٧.