البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٨٩
قال القرطبي : ومثل هذا لا يقال بالرأي، وانما هو توقيف، وقال قتادة : كلاهما إخفاؤه أفضل. وقال الزجاج : كان إخفاء الزكاة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أحسن، فأما اليوم فالناس مسيئون الظن فاظهارها أفضل. وقال ابن العربي : ليس في تفضيل صدقة السرّ على العلانية، ولا صدقة العلانية على صدقة السر، حديث صحيح.
فَنِعِمَّا هِيَ الفاء جواب الشرط، و : نعم، فعل لا يتصرف، فاحتيج في الجواب إلى الفاء والفاعل بنعم مضمر مفسر بنكرة لا تكون مفردة في الوجود نحو : شمس وقمر.
و : لا متوغلة في الإبهام نحو غير. ولا أفعل التفضيل نحو أفضل منك، وذلك نحو : نعم رجلا زيد، والمضمر مفرد وإن كان تمييزه مثنى أو مجموعا، وقد أعربوا : ما، هنا تمييزا لذلك المضمر الذي في نعم، وقدروه بشيئا. فما، نكرة تامة ليست موصوفة ولا موصولة، وقد تقدّم الكلام على : ما، اللاحقة لهذين الفعلين، أعنى : نعم وبئس، عند قوله تعالى :
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا «١» وقد ذكرنا مذاهب الناس فيها، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، وهي : ضمير عائد على الصدقات، وهو على حذف مضاف أي : فنعما ابداؤها، ويجوز أن لا يكون على حذف مضاف، بل يعود على الصدقات بقيد وصف الإبداء، والتقدير في : فنعما هي، فنعما الصدقات المبدأة وهي مبتدأ على أحسن الوجوه، وجملة المدح خبر عنه، والرابط هو العموم الذي في المضمر المستكن في : نعم.
وقرأ ابن كثير، وورش، وحفص : فنعما، بكسر النون والعين هنا وفي النساء، ووجه هذه القراءة أنه على لغة من يحرك العين، فيقول : نعم، ويتبع حركة النون بحركة العين، وتحريك العين هو الأصل، وهي لغة هذيل، ولا يكون ذلك على لغة من أسكن العين، لأنه يصير مثل : جسم مالك، وهو لا يجوز إدغامه على ما ذكروا.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي : فنعما، فيهما بفتح النون وكسر العين. وهو الأصل، لأن وزنه على فعل. وقال قوم : يحتمل قراءة كسر العين أن يكون على لغة من أسكن، فلما دخلت ما وأدغمت حركت العين لالتقاء الساكنين. وقرأ أبو عمرو، وقالون، وأبو بكر : بكسر النون وإخفاء حركة العين، وقد روي عنهم الإسكان، والأول أقيس وأشهر، ووجه الإخفاء طلب الخفة، وأما الإسكان فاختاره أبو عبيد، وقال : الإسكان، فيما
يروى، لغة النبي صلى اللّه عليه وسلم في هذا اللفظ، قال لعمرو بن العاص :«نعما المال الصالح للرجل
(١) سورة البقرة : ٢/ ٩٠.