البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٩٠
الصالح»
. وأنكر الإسكان أبو العباس، وأبو إسحاق، وأبو علي لأن فيه جمعا بين ساكنين على غير حدّه.
وقال أبو العباس لا يقدر أحد أن ينطق به، وإنما يروم الجمع بين ساكنين ويحرك ولا يأتيه. وقال أبو إسحاق : لم تضبط الرواة اللفظ في الحديث، وقال أبو علي : لعل أبا عمرو أخفى، فظنه السامع إسكانا. وقد أتى عن أكثر القراء ما أنكر، فمن ذلك الإسكان في هذا الموضع، وفي بعض تاآت البزي، وفي : اسطاعوا وفي : يخصمون. انتهى ما لخص من كلامهم.
وإنكار هؤلاء فيه نظر، لأن أئمة القراءة لم يقرأوا إلّا بنقل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ومتى تطرق إليهم الغلط فيما نقلوه من مثل هذا، تطرق إليهم فيما سواه، والذي نختاره ونقوله : إن نقل القراآت السبع متواتر لا يمكن وقوع الغلط فيه.
وَإِنْ تُخْفُوها الضمير المنصوب في : تخفوها، عائد على الصدقات، لفظا ومعنى، بأي تفسير فسرت الصدقات، وقيل : الصدقات المبداة هي الفريضة، والمخفاة هي التطوّع، فيكون الضمير قد عاد على الصدقات لفظا لا معنى، فيصير نظير : عندي درهم ونصفه، أي : نصف درهم آخر، كذلك : وان تخفوها، تقديره : وان تخفوا الصدقات غير الأولى، وهي صدقة التطوّع، وهذا خلاف الظاهر، والأكثر في لسان العرب، وإنما احتجنا في : عندي درهم ونصفه، إلى أن نقول : إن الضمير عائد على الدرهم لفظا لا معنى لاضطرار المعنى إلى ذلك، لأن قائل ذلك لا يريد أن عنده درهما ونصف هذا الدرهم الذي عنده. وكذلك قول الشاعر :
كأن ثياب راكبه بريح خريق وهي ساكنة الهبوب
يريد : ريحا أخرى ساكنة الهبوب.
وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فيه تنبيه على تطلب مصارفها وتحقق ذلك وهم الفقراء.
فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ الفاء جواب الشرط، وهو ضمير عائد على المصدر المفهوم من قوله : وَإِنْ تُخْفُوها التقدير : فالإخفاء خير لكم، ويحتمل أن يكون : خير، هنا أريد به خير من الخيور، و : لكم، في موضع الصفة، فيتعلق بمحذوف.


الصفحة التالية
Icon