البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٩١
والظاهر انه أفعل التفضيل، والمفضل عليه محذوف لدلالة المعنى عليه وهو الإبداء، والتقدير : فهو خير لكم من إبدائها.
وظاهر الآية : أن إخفاء الصدقات على الإطلاق أفضل، سواء كانت فرضا أو نفلا، وإنما كان ذلك أفضل لبعد المتصدّق فيها عن الرياء والمنّ والأذى، ولو لم يعلم الفقير بنفسه، وأخفى عنه الصدقة أن يعرف، كان أحسن وأجمل بخلوص النية في ذلك.
قال بعض الحكماء : إذا اصطنعت المعروف فاستره، وإذا اصطنع إليك فانشره.
وقال العباس بن عبد المطلب : لا يتم المعروف إلّا بثلاث خصال : تعجيله، وتصغيره في نفسك، وستره. فإذا عجلته هنيته، وإذا صغرته عظمته، وإذا سترته أتممته. وقال سهل بن هارون :
يخفي صنائعه واللّه يظهرها إن الجميل إذا أخفيته ظهرا
وفي الإبداء والإخفاء طباق لفظي، وفي قوله : وتؤتوها الفقراء طباق معنوى، لأنه لا يؤتي الصدقات إلّا الأغنياء، فكأنه قيل : إن يبد الصدقات الأغنياء. وفي هذه الآية دلالة على أن الصدقة حق للفقير، وفيها دلالة على أنه يجوز لرب المال أن يفرق الصدق بنفسه.
وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ قرأ بالواو الجمهور في : ويكفر، وبإسقاطها وبالياء والتاء والنون، وبكسر الفاء وفتحها، وبرفع الراء وجزمها ونصبها، فاسقاط الواو رواه أبو حاتم عن الأعمش، ونقل عنه أنه قرأ بالياء وجزم الراء، ووجهه أنه بدل على الموضع من قوله : فهو خير لكم لأنه في موضع جزم، وكأن المعنى : يكن لكم الإخفاء خيرا من الإبداء، أو على إضمار حرف العطف : أي ويكفر.
وقرأ ابن عامر بالياء ورفع الراء. وقرأ الحسن بالياء وجزم الراء، وروي عن الأعمش بالياء ونصب الراء. وقرأ ابن عباس بالتاء وجزم الراء، وكذلك قرأ عكرمة إلّا أنه فتح الفاء وبنى الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله. وقرأ ابن هرمز، فيما حكى عنه المهدوي بالتاء ورفع الراء، وحكي عن عكرمة، وشهر بن حوشب : بالتاء ونصب الراء. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو بكر : بالنون ورفع الراء. وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي : بالنون والجزم، وروي الخفض عن الأعمش بالنون ونصب الراء فيمن قرأ بالياء.
فالأظهر أن الفعل مسند إلى اللّه تعالى، كقراءة من قرأ : ونكفر، بالنون فإنه ضمير للّه


الصفحة التالية
Icon