البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٥١
وقال أبو علي : يحاسب عباده على ما يخفون من أعمالهم وعلى ما يبدونه، فيغفر للمستحق ويعذب المستحق. ودلت على أن الثواب والعقاب يستحقان بالعزم وسائر أفعال القلوب إذا كانت طاعة أو معصية.
وقال الزمخشري : من السوء وهذا حسن لأنه جاء بعد ذلك ذكر الغفران والتعذيب، لكن ذيل ذلك الزمخشري بقوله : فيغفر لمن يشاء، لمن استوجب المغفرة بالتوبة مما أظهر منه، أو أضمر. ويعذب من يشاء من استوجب العقوبة بالإصرار. انتهى. وهذه نزعة اعتزالية، وأهل السنة يقولون : إن الغفران قد يكون من اللّه تعالى لمن مات مصرّا على المعصية ولم يتب، فهو في المشيئة، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ «١».
ثم قال الزمخشري : ولا يدخل فيما يخفيه الإنسان الوسواس، وحديث النفس، لأن ذلك مما ليس في وسعه الخلو منه، ولكن ما اعتقده وعزم عليه. وعن عبد اللّه بن عمر، أنه تلاها فقال : لئن أخذنا اللّه بهذا لنهلكن، ثم بكى حتى سمع نشجه، فذكر لابن عباس فقال : يغفر اللّه لأبي عبد الرحمن، قد وجد المسلمون منها مثل ما وجد، فنزل : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها انتهى كلامه.
وقال ابن عطية : في أنفسكم، يقتضي قوّة اللفظ أنه ما تقرر في النفس واعتقد واستصحب الفكر فيه، وأما الخواطر التي لا يمكن دفعها فليست في النفس إلّا على تجوز.
انتهى.
وقال بعضهم : إن هذه الآية منسوخة بقوله : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وينبغي أن يجعل هذا تخصيصا إذا قلنا : إن الوسوسة والهواجس مندرجة تحت : ما، في قوله : ما فِي أَنْفُسِكُمْ والأصح أنها محكمة، وأنه تعالى يحاسبهم على ما عملوا وما لم يعملوا مما ثبت في نفوسهم ونووه وأرادوه، فيغفر للمؤمنين، ويأخذ به أهل الكفر والنفاق، وقيل :
العذاب الذي يكون جزاء للخواطر هو مصائب الدنيا وآلامها وسائر مكارهها. وروي هذا المعنى عن عائشة.
ولما كان اللفظ مما يمكن أن يدخل فيه الخواطر، أشفق الصحابة، فبين اللّه ما أراد

_
(١) سورة النساء : ٢/ ٤٨ و١١٦.


الصفحة التالية
Icon