البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٥٢
بها وخصصها، ونص على حكمه أنه لا يكلف نفسا إلّا وسعها، والخواطر ليس دفعها في الوسع، وكان في هذا فرجهم وكشف كربهم.
والآية خبر، والنسخ لا يدخل الأخبار، وانجزم : يحاسبكم، على أنه جواب الشرط، وقيل : عبر عن العلم بالمحاسبة إذ من جملة تفاسير الحسيب : العالم، فالمعنى : أنه يعلم ما في السرائر والضمائر، وقيل : الجزاء مشروط بالمشيئة أو بعدم المحاسبة، ويكون التقدير : يحاسبكم إن شاء أو يحاسبكم إن لم يسمح.
وقرأ ابن عامر، وعاصم، ويزيد، ويعقوب، وسهل : فيغفر لمن يشاء ويعذب، بالرفع فيهما على القطع، ويجوز على وجهين : أحدهما : أن يجعل الفعل خبر مبتدأ محذوف.
والآخر : أن يعطف جملة من فعل وفاعل على ما تقدّم. وقرأ باقي السبعة بالجزم عطفا على الجواب. وقرأ ابن عباس، والأعرج، وأبو حيوة بالنصب فيهما على إضمار : أن، فينسبك منها مع ما بعدها مصدر مرفوع معطوف على مصدر متوهم من الحساب، تقديره : يكن محاسبة فمغفرة وتعذيب، وهذه الأوجه قد جاءت في قول الشاعر :
فان يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والشهر الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس له سنام
يروى بجزم : ونأخذ، ورفعه ونصبه. وقرأ الجعفي، وخلاد، وطلحة بن مصرف : يغفر لمن يشاء، ويروى أنها كذلك في مصحف عبد اللّه. قال ابن جني : هي على البدل من :
يحاسبكم، فهي تفسير للمحاسبة. انتهى. وليس بتفسير، بل هما مترتبان على المحاسبة، ومثال الجزم على البدل من الجزاء قوله وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ «١».
وقال الزمخشري : ومعنى هذا البدل التفصيل لجملة الحساب، لأن التفصيل أوضح من المفصل، فهو جار مجرى بدل البعض من الكل، أو بدل الاشتمال، كقولك : ضربت زيدا رأسه. وأحب زيدا عقله، وهذا البدل واقع في الأفعال وقوعه في الأسماء لحاجة القبيلين إلى البيان. انتهى كلامه. وفيه بعض مناقشة.
أولا : فلقوله : ومعنى هذا البدل التفصيل لجملة الحساب، وليس الغفران والعذاب

_
(١) سورة الفرقان : ٢٥/ ٦٨.


الصفحة التالية
Icon