البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٥٣
تفصيلا لجملة الحساب، لأن الحساب إنما هو تعداد حسناته وسيئاته وحصرها، بحيث لا يشذ شيء منها، والغفران والعذاب مترتبان على المحاسبة، فليست المحاسبة تفصل الغفران والعذاب.
وأما ثانيا : فلقوله بعد ان ذكر بدل البعض والكل، وبدل الاشتمال : هذا البدل وقوعه في الأسماء لحاجة القبيلين إلى البيان. أما بدل الاشتمال فهو يمكن، وقد جاء لأن الفعل بما هو يدل على الجنس يكون تحته أنواع يشتمل عليها، ولذلك إذا وقع عليه النفي انتفت جميع أنواع ذلك الجنس، وأما بدل البعض من الكل فلا يمكن في الفعل، إذ الفعل لا يقبل التجزي، فلا يقال في الفعل : له كل وبعض إلّا بمجاز بعيد، فليس كالاسم في ذلك، ولذلك يستحيل وجود بدل البعض من الكل بالنسبة للّه تعالى، إذ الباري تعالى واحد فلا ينقسم ولا يتبعض.
قال الزمخشري، وقد ذكر قراءة الجزم : فإن قلت : كيف يقرأ الجازم؟.
قلت : يظهر الراء ويدغم الباء، ومدغم الراء في اللام لاحن مخطئ خطأ فاحشا، وراويه عن أبي عمرو مخطئ مرتين، لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم، والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة، والسبب في قلة الضبط قلة الدراية، ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو. انتهى كلامه. وذلك على عادته في الطعن على القراء.
وأما ما ذكر أن مدغم الراء في اللام لاحن مخطئ خطأ فاحشا إلى آخره، فهذه مسألة اختلف فيها النحويون، فذهب الخليل، وسيبويه وأصحابه : إلى أنه لا يجوز إدغام الراء في اللام من أجل التكرير الذي فيها، ولا في النون. قال أبو سعيد. ولانعلم أحدا خالفه إلّا يعقوب الحضرمي، وإلّا ما روي عن أبي عمرو، وأنه كان يدغم الراء في اللام متحركة متحركا ما قبلها، نحو : يَغْفِرُ لِمَنْ «١» الْعُمُرِ لِكَيْلا «٢» وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ «٣» فإن سكن ما قبل الراء أدغمها في اللام في موضع الضم والكسر، نحو الْأَنْهارُ لَهُمْ «٤» والنَّارُ لِيَجْزِيَ «٥» فإن انفتحت وكان ما قبلها حرف مدولين أو غيره لم
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٨٤، وآل عمران : ٣/ ١٢٩ والمائدة : ٤/ ١٨ و٤٠. والفتح : ٤٨/ ١٤.
(٢) سورة الحج : ٢٢/ ٥.
(٣) سورة النساء : ٤/ ٦٤.
(٤) سورة النحل : ١٦/ ٣١.
(٥) سورة إبراهيم : ١٤/ ٥٠ و٥١.