البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٥٥
قال ابن عطية : وهذا غير بين، وإنما كان من الخواطر تأويلا تأوله أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، ولم يثبت تكليفا.
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لما ذكر المغفرة والتعذيب لمن يشاء، عقب ذلك بذكر القدرة، إذ ما ذكر جزء من متعلقات القدرة.
آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ سبب نزولها أنه لما نزل : وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ الآية أشفقوا منها، ثم تقرر الأمر على أن قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا «١» فرجعوا إلى التضرع والاستكانة، فمدحهم اللّه وأثنى عليهم، وقدّم ذلك بين يدي رفقه بهم، وكشفه لذلك الكرب الذي أوجبه تأولهم، فجمع لهم تعالى التشريف بالمدح والثناء ورفع المشقة في أمر الخواطر، وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى اللّه تعالى، كما جرى لبني إسرائيل ضد ذلك من : ذمهم وتحميلهم المشقات من الذلة والمسكنة والجلاء، إذ قالُوا : سَمِعْنا وَعَصَيْنا «٢» وهذه ثمرة العصيان والتمرد على اللّه، أعاذنا اللّه تعالى من نقمه. انتهى هذا، وهو كلام ابن عطية.
وظهر بسبب النزول مناسبة هذه الآية لما قبلها، ولما كان مفتتح هذه السورة بذكر الكتاب المنزل، وأنه هدى للمتقين الموصوفين بما وصفوا به من الإيمان بالغيب، وبما أنزل إلى الرسول وإلى من قبله، كان مختتمها أيضا موافقا لمفتتحها.
وقد تتبعت أوائل السور المطولة فوجدتها يناسبها أواخرها، بحيث لا يكاد ينخرم منها شيء، وسأبين ذلك إن شاء اللّه في آخر كل سورة سورة، وذلك من أبدع الفصاحة، حيث يتلاقى آخر الكلام المفرط في الطول بأوله، وهي عادة للعرب في كثير من نظمهم، يكون أحدهم آخذا في شيء، ثم يستطرد منه إلى شيء آخر، ثم إلى آخر، هكذا طويلا، ثم يعود إلى ما كان آخذا فيه أولا. ومن أمعن النظر في ذلك سهل عليه مناسبة ما يظهر ببادئ النظم أنه لا مناسبة له، فبين تعالى في آخر هذه السورة أن أولئك المؤمنين هم أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم.
قال المروزي : آمَنَ الرَّسُولُ
قال الحسن، ومجاهد، وابن سيرين، وابن عباس في رواية : أن هاتين الآيتين لم ينزل بهما جبريل، وسمعهما صلى اللّه عليه وسلم ليلة المعراج بلا واسطة، والبقرة مدنية إلّا هاتين الآيتين.

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٨٥ والنساء : ٤/ ٤٦.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٩٣.


الصفحة التالية
Icon