البحر المحيط، ج ٢، ص : ٨٨
زيدا، لم يكن ذلك تعجبا من فعل الفاعل، إنما يكون تعجبا من فعل المفعول، ولا يجوز أن يتعجب من الفعل الواقع بالمفعول، فينتصب المفعول به كانتصاب الفاعل. لا تقول : ما أضرب زيدا، على أن زيدا حل به الضرب. وإذا تقرر هذا، فلا يجوز زيد أحب لعمرو، لأنه يكون المعنى : أن زيدا هو المحبوب لعمرو. فلما لم يجز ذلك، عدل إلى التعجب وأفعل التفضيل بما يسوغ منه ذلك، فتقول : ما أشد حب زيد لعمرو، وزيد أشد حبا لعمرو من خالد لجعفر. على أنهم قد شذوا فقالوا : ما أحبه إليّ، فتعجبوا من فعل المفعول على جهة الشذوذ، ولم يكن القرآن ليأتي على الشاذ في الاستعمال والقياس، ويعدل على الصحيح الفصيح. وانتصاب حبا على التمييز، وهو من التمييز المنقول من المبتدأ تقديره :
حبهم للّه أشد من حب أولئك للّه، أو لأندادهم، على اختلاف القولين.
وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ : قرأ نافع وابن عامر : وإذ ترون، بالتاء من فوق أن القوة، وأن بفتحهما. وقرأ ابن عامر : إذ يرون، بضم الياء. وقرأ الباقون : بالفتح. وقرأ الحسن، وقتادة، وشيبة، وأبو جعفر، ويعقوب : ولو ترى، بالتاء من فوق إن القوة، وإن بكسرهما. وقرأ الكوفيون، وأبو عمرو، وابن كثير : ولو يرى، بالياء من أسفل أن القوة، وأن بفتحهما. وقرأت طائفة : ولو يرى، بالياء من أسفل إن القوة، وإن بكسرهما. ولو هنا حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، فلا بد لها من جواب، واختلف في تقديره. فمنهم من قدره قبل أن القوة، فيكون أن القوة معمولا لذلك الجواب، التقدير : على قراءة من قرأ بالتاء من فوق، لعلمت أيها السامع أن القوة للّه جميعا، أو لعلمت يا محمد أن كان المخاطب في ولو ترى له. وقد كان صلى اللّه عليه وسلم علم ذلك، ولكن خوطب، والمراد أمته، فإن فيهم من يحتاج لتقوية علمه بمشاهدة مثل هذا.
ومن قرأ بالكسر، قدر الجواب : لقلت إن القوة على اختلاف القولين في المخاطب بقوله :
ولو ترى من هو؟ أهو السامع؟ أم النبي صلى اللّه عليه وسلم؟ أو يكون التقدير : لاستعظمت حالهم. وأن القوة، وإن كانت مكسورة، فيها معنى التعليل مثل : لو قدمت على زيد لأحسن إليك، إنه مكرم للضيفان. وقال ابن عطية : تقدير ذلك : ولو ترى الذين ظلموا، في حال رؤيتهم العذاب وفزعهم منه واستعظامهم له، لأقروا أن القوة للّه. فالجواب مضمر على هذا النحو من المعنى، وهو العامل في أن انتهى. وفيه مناقشة، وهو قوله : في حال رؤيتهم العذاب.
وكان ينبغي أن يقدر بمرادف، إذ وهو قوله : في وقت رؤيتهم العذاب، وأيضا فقدر جواب لو، وهو غير مترتب على ما يلي لو، لأن رؤية السامع، أو النبي صلى اللّه عليه وسلم الظالمين في وقت


الصفحة التالية
Icon