البحر المحيط، ج ٢، ص : ٩٠
بقيت وفري وانحرفت عن العلى ولقيت أضيافي بوجه عبوس
لأنه علق ذلك على مستقبل، وهو قوله :
إن لم أشن على ابن هند غارة لم تخل يوما من نهاب نفوس
وحذف جواب لو، لفهم المعنى، كثير في القرآن، وفي لسان العرب. قال تعالى : وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ «١»، وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ «٢»، وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ «٣»، وقال امرؤ القيس :
وجدك لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
هذا ما يقتضيه البحث في هذه الآية من جهة الإعراب، ونحن نذكر من كلام المفسرين فيها. قال عطاء : المعنى : ولو يرى الذين ظلموا يوم القيامة، إذ يرون العذاب حين تخرج إليهم جهنم من مسيرة خمسمائة عام تلتقطهم كما يلتقط الحمام الحبة، لعلموا أن القوة والقدرة للّه جميعا. وقيل : لو يعلمون في الدنيا ما يعلمونه، إذ يرون العذاب، لأقروا بأن القوّة للّه جميعا، أي لتبرأوا من الأنداد، والثانية من رؤية العين. وقال التبريزي : لو اعتقدوا أن اللّه يقدر ويقوى على تعذيبهم يوم القيامة، لامتنعوا عما يوجب الجزاء بالعذاب.
وقال الزمخشري : ولو يعلم هؤلاء الذين ارتكبوا الظلم العظيم بشركهم، أن القدرة كلها للّه على كل شيء من العقاب والثواب دون أندادهم، ويعلمون شدّة عقابه للظالمين، إذ عاينوا العذاب يوم القيامة، لكان منهم ما لا يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة ووقوع العلم بظلمهم وضلالهم. انتهى كلامه. وحكى الراغب : أن بعضهم زعم أن القوة بدل من الذين، قال : وهو ضعيف. انتهى. ويصير المعنى : ولو ترى قوة اللّه وقدرته على الذين ظلموا. وقال في المنتخب : قراءة الياء عند بعضهم أولى من قراءة التاء، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم والمسلمين قد علموا قدر ما يشاهده الكفار ويعاينونه من العذاب يوم القيامة، أما المتوعدون فإنهم لم يعلموا ذلك، فوجب إسناد الفعل إليهم. انتهى. ولا فرق عندنا بين القراءتين، أعني التاء والياء، لأنهما متواترتان. وانتصاب جميعا على الحال من الضمير المستكن في العامل في الجار والمجرور. والقوة هنا مصدر أريد به الجنس، التقدير : أن القوى مستقرة للّه جميعا، ولا يجوز أن تكون حالا من القوة، لأن العامل في القوة أن، وأن لا تعمل في
(١) سورة سبأ : ٣٤/ ٥١.
(٢) سورة الأنعام : ٦/ ٢٧.
(٣) سورة الرعد : ١٣/ ٣١.