البحر المحيط، ج ٢، ص : ٩١
الأحوال. وهذا التركيب أبلغ هنا من أن لو قلت : إن اللّه قوي، إذ تدل هنا على الإخبار عنه بهذا الوصف. وأن القوة للّه تدل على أن جميع أنواع القوى ثابتة مستقرة له تعالى، وتأخر وصفه تعالى بأنه شديد العذاب عن ذلك، لأن شدة العذاب هي من آثار القوة.
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ : لما ذكر متخذي الأنداد ذكر أن عبادتهم لهم وإفناء أعمارهم في طاعتهم، معتقدين أنهم سبب نجاتهم، لم تغن شيئا، وأنهم حين صاروا أحوج إليهم، تبرأوا منهم. وإذ : بدل من : إذ يرون العذاب. وقيل : معمولة لقوله شديد العذاب. وقيل : لمحذوف تقديره اذكروا الذين اتبعوا، هم رؤساؤهم وقادتهم الذين اتبعوهم في أقوالهم وأفعالهم، قاله ابن عباس وعطاء وأبو العالية وقتادة والربيع ومقاتل والزجاج، أو الشياطين الذين كانوا يوسوسون ويرونهم الحسن قبيحا والقبيح حسنا، قاله الحسن وقتادة أيضا والسدي أو عام في كل متبوع، وهو الذي يدل عليه ظاهر اللفظ. وقراءة الجمهور : اتبعوا الأول مبنيا للمفعول، والثاني مبنيا للفاعل. وقراءة مجاهد بالعكس. فعلى قراءة الجمهور : تبرؤ المتبوعون بالندم على الكفر، أو بالعجز عن الدفع، أو بالقول : إنا لم نضل هؤلاء، بل كفروا بإرادتهم وتعلق العقاب عليهم بكفرهم، ولم يتأت ما حاولوه من تعليق ذنوبهم على من أضلهم. أقوال ثلاثة، الأخير أظهرها، وهو أن يكون التبرؤ بالقول. قال تعالى : تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ «١». وتبرؤ التابعين هو انفصالهم عن متبوعيهم والندم على عبادتهم، إذ لم يجد عنهم يوم القيامة شيئا، ولم يدفع عنهم من عذاب اللّه، ورأوا العذاب الظاهر. إن هذه الجملة، هي وما بعدها، قد عطفتا على تبرأ، فهما داخلان في حيز الظرف.
وقيل : الواو للحال فيهما، والعامل تبرأ، أي تبرأوا في حال رؤيتهم العذاب وتقطع الأسباب بهم، لأنها حالة يزداد فيها الخوف والتنصل ممن كان سببا في العذاب. وقيل : الواو للحال في : ورأوا العذاب، وللعطف في : وتقطعت على تبرأ، وهو اختيار الزمخشري.
وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ : كناية عن أن لا منجى لهم من العذاب، ولا مخلص، ولا تعلق بشيء يخلص من عذاب اللّه، وهو عام في كل ما يمكن أن يتعلق به. وللمفسرين في الأسباب أقوال : الوصلات عن قتادة، والأرحام عن ابن عباس وابن جريج، أو الأعمال الملتزمة عن ابن زيد والسدي، أو العهود عن مجاهد وأبي روق، أو وصلات الكفر، أو
(١) سورة القصص : ٢٨/ ٦٣.