البحر المحيط، ج ٢، ص : ٩٤
تقول : تحسرت على كذا، فعلى هنا متعلقة بقوله : حسرات. ويحتمل أن تكون في موضع الصفة، فالعامل محذوف، أي حسرات كائنة عليهم، وعلى تشعر بأن الحسرات مستعلية عليهم. وأعمالهم، قيل : هي الأعمال التي صنعوها، وأضيفت إليهم من حيث عملوها، وأنهم مأخوذون بها. وهذا على قول من يقول : إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وهذا معنى قول الربيع وابن زيد : أنها الأعمال السيئة التي ارتكبوها، فوجب لهم بها النار. وقال ابن مسعود والسدّي : المعنى أعمالهم الصالحة التي تركوها، ففاتتهم الجنة، وأضيفت إليهم من حيث كانوا مأمورين بها. قال السدي : ترفع لهم الجنة فينظرون إلى بيوتهم فيها، لو أطاعوا اللّه تعالى، فيقال لهم : تلك مساكنكم لو أطعتم اللّه تعالى، ثم تقسم بين المؤمنين فيرثونهم، فذلك حين يندمون. وهذا معنى قول بعضهم، إن أعمالهم قد أحبط ثوابها كفرهم، لأن الكافر لا يثاب مع كفره. ألا ترى إلى
قوله صلى اللّه عليه وسلم، وقد ذكر له أن ابن جدعان كان يصل الرحم ويطعم المسكين، وسئل : هل ذلك نافعه؟ قال :«لا ينفعه، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين»
، ومنه قوله تعالى : وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً «١». وقيل : المعنى أعمالهم التي تقربوا بها إلى رؤسائهم من تعظيمهم والانقياد لأمرهم. والظاهر أنها الأعمال التي اتبعوا فيها رؤساءهم وقادتهم، وهي الكفر والمعاصي. وكانت حسرة عليهم، لأنهم رأوها مسطورة في صحائفهم، وتيقنوا الجزاء عليها، وكان يمكنهم تركها والعدول عنها، لو شاء اللّه.
وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ : هذا يدل على دخول النار، إذ لا يقال : ما زيد بخارج من كذا إلا بعد الدخول. ولم يتقدم في الآية نص على دخولهم، إنما تقدم رؤيتهم العذاب ومفاوضة بسبب تبرؤ المتبوعين من الأتباع، وجاء الخبر مصحوبا بالباء الدالة على التوكيد. وقال الزمخشري : هم بمنزلته في قوله :
هم يفرشون اللبد كل طمرّه في دلالته على قوة أمرهم فيما أسند إليهم، لا على الاختصاص. انتهى كلامه، وفيه دسيسة اعتزال، لأنه إذا لم يدل على الاختصاص، لا يكون فيه رد لقول المعتزلة، إن الفاسق يخلد في النار ولا يخرج منها. وأما قول صاحب المنتخب : إن الأصحاب احتجوا على أن صاحب الكبيرة من أهل القبلة، إلى آخر كلامه، فهو غير مسلم، ولا دلالة في الآية

_
(١) سورة الفرقان : ٢٥/ ٢٣.


الصفحة التالية
Icon