البحر المحيط، ج ٣، ص : ١٥
وقيل : بالصدق فيما اختلف فيه، قاله محمد بن جرير. وقيل : بالصدق فيما تضمنه من الأخبار عن القرون الخالية. وقيل : بالصدق فيما تضمنه من الوعد بالثواب على الطاعة، ومن الوعيد بالعقاب على المعصية.
وقيل : معنى بالحق : بالحجج والبراهين القاطعة.
والباء : تحتمل السببية أي : بسبب إثبات الحق، وتحتمل الحال، أي : محقا نحو :
خرج زيد بسلاحه، أي متسلحا.
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ أي : من كتب الأنبياء، وتصديقه إياها أنها أخبرت بمجيئه، ووقوع المخبر به يجعل المخبر صادقا، وهو يدل على صحة القرآن، لأنه لو كان من عند غير اللّه لم يوافقها، قاله أبو مسلم. وقيل : المراد منه أنه لم يبعث نبيا قط، إلّا بالدعاء إلى توحيده، والإيمان، وتنزيهه عما لا يليق به، والأمر بالعدل والإحسان، والشرائع التي هي صلاح أهل كل زمان. فالقرآن مصدق لتلك الكتب في كل ذلك، والقرآن، وإن كان ناسخا لشرائع أكثر الكتب، فهي مبشرة بالقرآن وبالرسول، ودالة على أن أحكامها تثبت إلى حين بعثة اللّه تعالى رسوله صلى اللّه عليه وسلم، وأنها تصير منسوخة عند نزول القرآن. فقد وافقت القرآن، وكان مصدقا لها لأن الدلائل الدالة على ثبوت الإلهية لا تختلف.
وانتصاب : مصدقا، على الحال من الكتاب، وهي حال مؤكدة، وهي لازمة، لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدق لما بين يديه، فهو كما قال :
أنا ابن دارة معروفا به نسبي وهل بدارة يا للناس من عار؟
وقيل : انتصاب : مصدقا، على أنه بدل من موضع : بالحق، وقيل : حال من الضمير المجرور. و : لما، متعلق بمصدقا، واللام لتقوية التعدية، إذ : مصدقا، يتعدى بنفسه، لأن فعله يتعدى بنفسه. والمعنى هنا بقوله لِما بَيْنَ يَدَيْهِ المتقدم في الزمان. وأصل هذا أن يقال : لما يتمكن الإنسان من التصرف فيه. كالشيء الذي يحتوي عليه، ويقال : هو بين يديه إذا كان قدامه غير بعيد.
وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ فخم راء التوراة ابن كثير، وعاصم، وابن عامر، وأضجعها : أبو عمرو، والكسائي. وقرأها بين اللفظين : حمزة، ونافع. وروى المسيبي عن نافع فتحها.