البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٠
يجعل قول القائف حجة في دعوى النسب، لأنه جعل علم التصوير في الأرحام لنفسه، فكيف يعرف القائف صوره من مائه عند قيام التشابه في الصور؟ انتهى.
والأحسن أن تكون هذه الجمل مستقلة، فتكون الأولى : إخبارا عنه تعالى بالعلم التام، والثانية : إخبارا بالقدرة التامة وبالإرادة والثالثة : بالانفراد بالإلهية، ويحتمل أن يكون خبرا عن : أن.
وقال الراغب، هنا : يصوركم، بلفظ الحال، وفي موضع آخر : فصوركم، لأنه لا اعتبار بالأزمنة في أفعاله، وإنما استعملت الألفاظ فيه للدلالة على الأزمنة بحسب اللغات، وأيضا : فصوركم، إنما هو على نسبة التقدير، وإن فعله تعالى في حكم ما قد فرغ منه. ويصوركم على حسب ما يظهر لنا حالا فحالا. انتهى.
وقرأ طاووس : تصوركم، أي صوركم لنفسه ولتعبده. كقولك : أثلت مالا، أي :
جعلته أثلة. أي : أصلا. وتأثلته إذا أثلته لنفسك. وتأتي : تفعّل، بمعنى : فعل، نحو :
تولى، بمعنى : ولي.
ومعنى كَيْفَ يَشاءُ أي : من الطول والقصر، واللون، والذكورة والأنوثة، وغير ذلك من الاختلافات. وفي قوله : كَيْفَ يَشاءُ إشارة إلى أن ذلك يكون بسبب وبغير سبب، لأن ذلك متعلق بمشيئته فقط.
و : كيف، هنا للجزاء، لكنها لا تجزم. ومفعول : يشاء، محذوف لفهم المعنى، التقدير : كيف يشاء أن يصوركم. كقوله يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ «١» أي : كيف يشاء أن ينفق، و : كيف، منصوب : بيشاء، والمعنى : على أي حال شاء أن يصوركم صوركم، ونصبه على الحال، وحذف فعل الجزاء لدلالة ما قبله عليه، نحو قولهم : أنت ظالم إن فعلت، التقدير : أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم، ولا موضع لهذه الجملة من الإعراب، وإن كانت متعلقة بما قبلها في المعنى، فتعلقها كتعلق إن فعلت، كقوله : أنت ظالم.
وتفكيك هذا الكلام وإعرابه على ما ذكرناه، لا يهتدى له إلّا بعد تمرّن في الإعراب، واستحضار للطائف النحو.
وقال بعضهم كَيْفَ يَشاءُ في موضع الحال، معمول : يصوركم ومعنى الحال
(١) سورة المائدة : ٥/ ٦٤.