البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢١
أي : يصوركم في الأرحام قادرا على تصويركم مالكا ذلك. وقيل : التقدير في هذه الحال :
يصوركم على مشيئته، أي مريدا، فيكون حالا من ضمير اسم اللّه، ذكره أبو البقاء، وجوّز أن يكون حالا من المفعول، أي : يصوركم منقلبين على مشيئته.
وقال الحوفي : يجوز أن تكون الجملة في موضع المصدر، المعنى : يصوركم في الأرحام تصوير المشيئة، وكما يشاء.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ كرر هذه الجملة الدالة على نفي الإلهية عن غيره تعالى، وانحصارها فيه، توكيدا لما قبلها من قوله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وردا على من ادعى إلهية عيسى، وناسب مجيئها بعد الوصفين السابقين من العلم والقدرة، إذ من هذان الوصفان له، هو المتصف بالإلهية لا غيره، ثم أتى بوصف العزة الدالة على عدم النظير، والحكمة الموجبة لتصوير الأشياء على الإتقان التام.
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ مناسبة هذا لما قبله أنه : لما ذكر تعديل البنية وتصويرها على ما يشاء من الأشكال الحسنة، وهذا أمر جسماني، استطرد إلى العلم، وهو أمر روحاني. وكان قد جرى لوفد نجران أن من شبههم قوله وَرُوحٌ مِنْهُ «١» فبيّن أن القرآن منه محكم العبارة قد صينت من الاحتمال، ومنه متشابه، وهو ما احتمل وجوها.
ونذكر أقاويل المفسرين في المحكم والمتشابه.
وقد جاء وصف القرآن بأن آياته محكمة، بمعنى كونه كاملا، ولفظه أفصح، ومعناه أصح، لا يساويه في هذين الوصفين كلام، وجاء وصفه بالتشابه بقوله : كِتاباً مُتَشابِهاً «٢» معناه يشبه بعضه بعضا في الجنس والتصديق. وأما هنا فالتشابه ما احتمل وعجز الذهن عن التمييز بينهما، نحو : إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا «٣» وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً «٤» أي : مختلف الطعوم متفق المنظر، ومنه : اشتبه الأمران، إذا لم يفرق بينهما. ويقال لأصحاب المخاريق : أصحاب الشبه، وتقول : الكلمة الموضوعة لمعنى لا يحتمل غيره نص، أو يحتمل راجحا أحد الاحتمالين على الآخر، فبالنسبة إلى الراجح ظاهر، وإلى المرجوح
(١) سورة النساء : ٤/ ١٧١ والمجادلة : ٥٨/ ٢٢.
(٢) سورة الزمر : ٣٩/ ٢٣.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ٧٠.
(٤) سورة البقرة : ٢/ ٢٥.