البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٥
فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ «١» وفي موضع آخر : وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ «٢».
ومثبتو الرؤية تمسكوا بقوله : إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ «٣» والآخرون، بقوله : لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ «٤». ومثبتو الجهة بقوله يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ «٥» وبقوله : عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى «٦» والآخرون بقوله : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «٧» فكيف يليق بالمحكم أن يرجع إلى المرجوح إليه هكذا؟ انتهى كلام الفخر الرازي. وبعضه ملخص.
وقد ذكر العلماء لمجيء المتشابه فوائد، وأحسن ذلك ما ذكره الزمخشري. قال :
فإن قلت : فهلا كان القرآن كله محكما؟
قلت : لو كان كله محكما لتعلق الناس به لسهولة مأخذه، ولأعرضوا عما يحتاجون فيه إلى الفحص والتأمل من النظر والاستدلال، ولو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذي لا يتوصل إلى معرفة اللّه وتوحيده إلّا به، ولما في المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحق والمتزلزل فيه، ولما في تقادح العلماء وإتقانهم القرائح في استخراج معانيه، ورده إلى المحكم من الفوائد الجليلة، والعلوم الجمة، ونيل الدرجات عند اللّه، ولأن المؤمن المعتقد أن لا مناقضة في كلام اللّه، ولا اختلاف إذا رأى فيه ما يتناقض في ظاهره، وأهمه طلب ما يوفق بينه ويجريه على سنن واحد، ففكر وراجع نفسه وغيره، ففتح اللّه عليه، وتبين مطابقة المتشابه المحكم، ازداد طمأنينة إلى معتقده، ودقة في إتقانه. انتهى كلام الزمخشري، وهو مؤلف مما قاله الناس في فائدة المجيء بالمتشابه في القرآن.
ولما ذكر تعالى أول السورة اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ ذكر هنا كيفية الكتاب، وأتى بالموصول، إذ في صلته حوالة على التنزيل السابق، وعهد فيه.
وقوله : مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ إلى آخره، في موضع الحال، أي : تركه على هذين الوجهين محكما ومتشابها، وارتفع : آيات، على الفاعلية بالمجرور لأنه قد اعتمد، ويجوز ارتفاعه على الابتداء، والجملة حالية. ويحتمل أن تكون جملة مستأنفة، ووصف الآيات بالأحكام صادق على أن كل آية محكمة، وأما قوله : وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فأخر صفة لآيات
(١) سورة فصلت : ٤١/ ٥.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٨٨.
(٣) سورة القيامة : ٧٥/ ١٢٣.
(٤) سورة الأنعام : ٦/ ١٠٣.
(٥) سورة النحل : ١٦/ ٥.
(٦) سورة طه : ٢٠/ ٥.
(٧) سورة الشورى : ٤٢/ ١١.