البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٦
محذوفة، والوصف بالتشابه لا يصح في مفرد آخر، لو قلت : وأخرى متشابهة لم يصح إلّا بمعنى أن بعضها يشبه بعضا، وليس المراد هنا هذا المعنى، وذلك أن التشابه المقصود هنا لا يكون إلّا بين اثنين فصاعدا، فلذلك صح هذا الوصف مع الجمع، لأن كل واحد من مفرداته يشابه الباقي، وإن كان الواحد لا يصح فيه ذلك، فهو نظير، رجلين يقتتلان، وإن كان لا يقال : رجل يقتتل.
وتقدم الكلام على أخر في قوله : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ «١» فاغنى عن إعادته هنا.
وذكر ابن عطية أن المهدوي خلط في مسألة : أخر، وأفسد كلام سيبويه، فتوقف على ذلك من كلام المهدوي.
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ هم نصارى نجران لتعرضهم للقرآن في أمر عيسى، قاله الربيع. أو : اليهود، قاله ابن عباس، والكلبي، لأنهم طلبوا بقاء هذه الآية من الحروف المقطعة، والزيغ : عنادهم.
وقال الطبري : هو الأشبه. وذكر محاورة حيي بن أخطب وأصحابه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مدة ملته، واستخراج ذلك من الفواتح، وانتقالهم من عدد إلى عدد إلى أن قالوا :
خلطت علينا فلا ندري بكثير نأخذ أم بقليل؟ ونحن لا نؤمن بهذا. فأنزل اللّه تعالى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ الآية، وفسر الزيغ : بالميل عن الهدى، ابن مسعود، وجماعة من الصحابة، ومجاهد، ومحمد بن جعفر بن الزبير، وغيرهم.
وقال قتادة : هم منكر والبعث، فإنه قال في آخرها وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وما ذاك إلّا يوم القيامة، فإنه أخفاه عن جميع الخلق. وقال قتادة أيضا : هم الحرورية، وهم الخوارج. ومن تأول آية لا في محلها. وقال أيضا : إن لم تكن الحرورية هم الخوارج السبائية، فلا أدري من هم.
وقال ابن جريح : هم المنافقون. وقيل : هم جميع المبتدعة.
وظاهر اللفظ العموم في الزائغين عن الحق، وكل طائفة ممن ذكر زائغة عن الحق، فاللفظ يشملهم وإن كان نزل على سبب خاص، فالعبرة لعموم اللفظ.
فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ قال القرطبي : متبعو المتشابه إما طالبو تشكيك وتناقض

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٨٤ و١٨٥.


الصفحة التالية
Icon