البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٩٨
ومعنى بالحق أي بإخبار الصدق. وقيل : المعنى متضمنة الأفاعيل التي هي أنفسها حق من كرامة قوم وتعذيب آخرين. وتلك مبتدأ أو آيات اللّه خبره، ونتلوها جملة حالية.
قالوا : والعامل فيها اسم الإشارة. وجوزوا أن يكون آيات اللّه بدلا، والخبر نتلوها. وقال الزجاج : في الكلام حذف تقديره تلك آيات القرآن المذكورة حجج اللّه ودلائله انتهى.
فعلى هذا الذي قدره يكون خبر المبتدأ محذوف، لأنّه عنده بهذا التقدير يتم معنى الآية.
ولا حاجة إلى تقدير هذا المحذوف، إذ الكلام مستغن عنه تام بنفسه. والباء في بالحق باء المصاحبة، فهي في الموضع الحال من ضمير المفعول أي : ملتبسة بالحق. وقال الزمخشري : ملتبسة بالحق والعدل من جزاء المحسن والمسيء بما يستوجبانه انتهى.
فدسّ في قوله بما يستوجبانه دسيسة اعتزالية. ثم أخبر تعالى أنه لا يريد الظلم، وإذا لم يرده لم يقع منه لأحد. فما وقع منه تعالى من تنعيم قوم وتعذيب آخرين ليس من باب الظلم، والظلم وضع الشيء في غير موضعه.
روى أبو ذر أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا
وفي الحديث الصحيح أيضا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : إن اللّه لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدّنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدّنيا ما عمل للّه بها، فإذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها
وقيل : المعنى لا يزيد في إساءة المسيء ولا ينقص من إحسان المحسن، وفيه تنبيه على أن تسويد الوجوه عدل انتهى.
وللعالمين في موضع المفعول للمصدر الذي هو ظلم، والفاعل محذوف مع المصدر التقدير : ظلمه، والعائد هو ضمير اللّه تعالى أي : ليس اللّه مريدا أن يظلم أحدا من العالمين. ونكر ظلما لأنّه في سياق النفي، فهو يعم. وقيل : المعنى أنه تعالى لا يريد ظلم العالمين بعضهم لبعض. واللفظ ينبو عن هذا المعنى، إذ لو كان هذا المعنى مرادا لكان من أحق به من الكلام، فكان يكون التركيب : وما اللّه يريد ظلما من العالمين. وقال الزمخشري : وما اللّه يريد ظلما فيأخذ أحدا بغير جرم، أو يزيد في عقاب مجرم، أو ينقص من ثواب محسن، ثم قال : فسبحان من يحلم عن من يصفه بإرادة القبائح والرّضا بها، انتهى كلامه جاريا على مذهبه الاعتزالي. ونقول له : فسبحان من يحلم عمن يصفه بأن يكون في ملكه ما لا يريد، وإن إرادة العبد تغلب إرادة الرب تعالى اللّه عن ذلك.
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ لما ذكر أحوال


الصفحة التالية
Icon