البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٩٩
الكافرين والمؤمنين، وأنه يختص بعمل من آمن فيرحمهم به، ويختص بعمل من كفر فيعذبهم، نبه على أنّ هذا التصرف هو فيما يملكه، فلا اعتراض عليه تعالى. ودلت الآية على اتساع ملكه ومرجع الأمور كلها إليه، فهو غني عن الظلم، لأن الظلم إنما يكون فيما كان مختصا به عن الظالم. وتقدم شرح هاتين الجملتين فأغنى ذلك عن إعادته.
قالوا وتضمنت هذه الآيات الطباق : في تبيضّ وتسودّ، وفي اسودّت وابيضّت، وفي أكفرتم بعد إيمانكم، وفي بالحق وظلما. والتفصيل : في فأمّا وأمّا. والتجنيس : المماثل في أكفرتم وتكفرون. وتأكيد المظهر بالمضمر في : ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون.
والتكرار : في لفظ اللّه. ومحسنه : أنه في جمل متغايرة المعنى، والمعروف في لسان العرب إذا اختلفت الجمل أعادت المظهر لا المضمر، لأن في ذكره دلالة على تفخيم الأمر وتعظيمه، وليس ذلك نظير.
لا أرى الموت يسبق الموت شيء لاتحاد الجملة. لكنه قد يؤتى في الجملة الواحدة بالمظهر قصدا للتفخيم. والإشارة في قوله : تلك، وتلوين الخطاب في فأمّا الذين اسودّت وجوههم أكفرتم، والتشبيه والتمثيل في تبيض وتسودّ، إذا كان ذلك عبارة عن الطلاقة والكآبة والحذف في مواضع.
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ قال عكرمة ومقاتل : نزلت في ابن مسعود، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وقد قال لهم بعض اليهود : ديننا خير مما تدعوننا إليه، ونحن خير وأفضل.
وقيل : نزلت في المهاجرين. والذي يظهر أنها من تمام الخطاب الأول في قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ «١» وتوالت بعد هذا مخاطبات المؤمنين من أوامر ونواه، وكان قد استطرد من ذلك لذكر من يبيض وجهه ويسودّ، وشيء من أحوالهم في الآخرة، ثم عاد إلى الخطاب الأول فقال تعالى : كنتم خير أمّة تحريضا بهذا الإخبار على الانقياد والطواعية.
والظاهر أنّ الخطاب هو لمن وقع الخطاب له أولا وهم : أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فتكون الإشارة بقوله : أنّة إلى أمة معينة وهي أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، فالصحابة هم خيرها.
وقال الحسن ومجاهد وجماعة : الخطاب لجميع الأمة بأنهم خير الأمم، ويؤيد هذا

_
(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٠٢.


الصفحة التالية
Icon