البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٠٠
التأويل كونهم شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ «١» وقوله :«نحن الآخرون السابقون»
الحديث وقوله :«نحن نكمل يوم القيامة سبعين أمة نحن آخرها وخيرها».
وظاهر كان هنا أنها الناقصة، وخير أمة هو الخبر. ولا يراد بها هنا الدلالة على مضي الزمان وانقطاع النسبة نحو قولك : كان زيد قائما، بل المراد دوام النسبة كقوله : وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «٢» ولا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا «٣» وكون كان تدل على الدوام ومرادفه لم يزل قولا مرجوحا، بل الأصح أنها كسائر الأفعال تدل على الانقطاع، ثم قد تستعمل حيث لا يراد الانقطاع. وقيل : كان هنا بمعنى صار، أي صرتم خير أمة.
وقيل : كان هنا تامة، وخير أمة حال. وأبعد من ذهب إلى أنّها زائدة، لأن الزائدة لا تكون أول كلام، ولا عمل لها. وقال الزمخشري : كان عبارة عن وجود الشيء في من ماض على سبيل الإبهام، وليس فيه دليل على عدم سابق، ولا على انقطاع طارئ. ومنه قوله تعالى :
وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً.
ومنه قوله : كنتم خير أمة، كأنه قيل : وجدتم خير أمة انتهى كلامه. فقوله : أنها لا تدل على عدم سابق هذا إذا لم تكن بمعنى صار، فإذا كانت بمعنى صار دلت على عدم سابق. فإذا قلت : كان زيد عالما بمعنى صار، دلت على أنه انتقل من حالة الجهل إلى حالة العلم. وقوله : ولا على انقطاع طارئ قد ذكرنا قبل أن الصحيح أنها كسائر الأفعال يدل لفظ المضي منها على الانقطاع، ثم قد تستعمل حيث لا يكون انقطاع. وفرق بين الدلالة والاستعمال، ألا ترى أنك تقول : هذا اللفظ يدل على العموم؟ ثم تستعمل حيث لا يراد العموم، بل المراد الخصوص. وقوله : كأنه قال وجدتم خير أمة، هذا يعارض أنها مثل قوله : وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «٤» لأن تقديره وجدتم خير أمة يدل على أنها تامة، وأن خير أمة حال. وقوله : وكان اللّه غفورا لا شك أنها هنا الناقصة فتعارضا. وقيل : المعنى :
كنتم في علم اللّه. وقيل : في اللوح المحفوظ. وقيل : فيما أخبر به الأمم قديما عنكم.
وقيل : هو على الحكاية، وهو متصل بقوله : فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ أي فيقال لهم في القيامة : كنتم في الدنيا خير أمة، وهذا قول بعيد من سياق الكلام. وخير مضاف للنكرة، وهي أفعل تفضيل فيجب إفرادها وتذكيرها، وإن كانت جارية على جمع.
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٤٣.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٩٦.
(٣) سورة الإسراء : ١٧/ ٣٢. [.....]
(٤) سورة آل عمران : ٣/ ١٠٧.