البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٠
وعباده الذين رسخوا في العلم، أي ثبتوا فيه وتمكنوا، وعضوا فيه بضرس قاطع. ويقولون، كلام مستأنف موضح لحال الراسخين، بمعنى : هؤلاء العالمون بالتأويل يقولون آمنا به، أي :
بالمتشابه. انتهى كلامه.
وتلخص في إعراب وَالرَّاسِخُونَ وجهان :
أحدهما : أنه معطوف على قوله : اللّه، ويكون في إعراب : يقولون، وجهان :
أحدهما : أنه خبر مبتدأ محذوف. والثاني : أنه في موضع نصب على الحال من الراسخين، كما تقول : ما قام إلّا زيد وهند ضاحكة.
والثاني : من إعراب : والراسخون، أن يكون مبتدأ، ويتعين أن يكون : يقولون، خبرا عنه، ويكون من عطف الجمل.
وقيل : الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مؤمنو أهل الكتاب : كعبد اللّه بن سلام وأصحابه، بدليل لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ «١» يعنى الراسخين في علم التوراة، وهذا فيه بعد، وقد فسر الرسوخ في العلم بما لا تدل عليه اللغة، وإنما هي أشياء نشأت عن الرسوخ في العلم، كقول نافع : الراسخ المتواضع للّه، وكقول مالك : الراسخ في العلم العامل بما يعلم، المتبع.
كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا هذا من المقول، ومفعول : يقولون قوله : آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وجعلت كل جملة كأنها مستقلة بالقول، ولذلك لم يشترك بينهما بحرف العطف، أو جعلا ممتزجين في القول امتزاج الجملة الواحدة، نحو قوله :
كيف أصحبت؟ كيف أمسيت؟ مما يزرع الود في فؤاد الكريم؟
كأنه قال : هذا الكلام مما يزرع الودّ. والضمير في : به، يحتمل أن يعود على المتشابه، وهو الظاهر، ويحتمل أن يعود على الكتاب. والتنوين في : كل، للعوض من المحذوف، فيحتمل أن يكون ضمير الكتاب، أي : كله من عند ربنا، ويحتمل أن يكون التقدير : كل واحد من المحكم والمتشابه من عند اللّه، وإذا كان من عند اللّه فلا تناقض ولا اختلاف، وهو حق يجب أن يؤمن به. وأضاف العندية إلى قوله : ربنا، لا إلى غيره من أسمائه تعالى
(١) سورة النساء : ٤/ ١٦٢.