البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٥
بسكون الياء. وقرأ الحسن : لن يغني بالياء أولا وبالياء الساكنة آخرا، وذلك لاستثقال الحركة في حرف اللين، وإجراء المنصوب مجرى المرفوع. وبعض النحويين يخص هذا بالضرورة، وينبغي أن لا يخص بها، إذ كثر ذلك في كلامهم.
و : من، لابتداء الغاية عند المبرد، وبمعنى : عند، قاله أبو عبيدة، وجعله كقوله تعالى : أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ «١» قال : معناه عند جوع وعند خوف، وكون : من، بمعنى : عند، ضعيف جدا.
وقال الزمخشري : قوله : من اللّه، مثله في قوله : إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً «٢» والمعنى : لن تغني عنهم من رحمة اللّه، أو من طاعة اللّه شيئا، أي : بدل رحمته وطاعته، وبدل الحق. ومنه : ولا ينفع ذا الجدّ منك الجد أي : لا ينفعه جدّه وحظه من الدنيا بذلك، أي : بدل طاعتك وعبادتك. وما عندك. وفي معناه قوله تعالى : وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى «٣» انتهى كلامه.
وإثبات البدلية : لمن، فيه خلاف أصحابنا ينكرونه، وغيرهم قد أثبته، وزعم أنها تأتي بمعنى البدل. واستدل بقوله تعالى : أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ «٤» لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً «٥» أي : بدل الآخرة وبدلكم. وقال الشاعر :
أخذوا المخاض من الفصيل غلبة ظلما ويكتب للأمير إفيلا
أي بدل الفصيل، وشيئا ينتصب على أنه مصدر، كما تقول ضربت شيئا من الضرب، ويحتمل أن ينتصب على المفعول به، لأن معنى : لن تغني، لن تدفع أو تمنع، فعلى هذا يجوز أن يكون : من، في موضع الحال من شيئا، لأنه لو تأخر لكان في موضع النعت لها، فلما تقدّم انتصب على الحال. وتكون : من إذ ذاك للتبعيض.
فتلخص في : من، أربعة أقوال : ابتداء الغاية، وهو قول المبرد، والكلبي. و : كونها بمعنى : عند، وهو قول أبي عبيدة. و : البدلية، وهو قول الزمخشري، و : التبعيض، وهو الذي قررناه.
وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ لما قدم : إن الذين كفروا لن تغني عنهم كثرة أموالهم،
(١) سورة قريش : ١٠٦/ ٤.
(٢) سورة النجم : ٥٣/ ٢٨.
(٣) سورة سبأ : ٣٤/ ٣٧. [.....]
(٤) سورة التوبة : ٩/ ٣٨.
(٥) سورة الزخرف : ٤٣/ ٦٠.