البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٧٧
وقال المبرد : هي زائدة. ورد عليه بوجود الخبر، إذ الزائدة لا خبر لها. وينبغي أن يتأول كلامه على أنّ كان لا يراد بها تقييد الخبر بالزمن الماضي فقط، فجعلها زائدة بهذا الاعتبار.
وساء سبيلا هذه مبالغة في الذم، كما يبالغ ببئس. فان كان فيها ضمير يعود على ما عاد عليه ضمير إنّه، فانها لا تجري عليها أحكام بئس. وان الضمير فيها مبهما كما يزعم أهل البصرة فتفسيره سبيلا، ويكون المخصوص بالذم إذ ذاك محذوفا التقدير : وبئس سبيلا سبيل هذا النكاح، كما جاء بئس الشراب أي : ذلك الماء الذي كالمهل. وبالغ في ذم هذه السبيل، إذ هي سبيل موصلة إلى عذاب اللّه. وقال البراء بن عازب : لقيت خالي ومعه الراية فقلت : أين تريد؟ قال : أرسلني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده ان أضرب عنقه.
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ لما تقدم تحريم نكاح امرأة الأب على ابنه وليست أمه، كان تحريم أمه أولى بالتحريم. وليس هذا من المجمل، بل هذا مما حذف منه المضاف لدلالة المعنى عليه. لأنه إذا قيل : حرم عليك الخمر، إنما يفهم منه شربها.
وحرمت عليك الميتة أي : أكلها. وهذا من هذا القبيل، فالمعنى : نكاح أمهاتكم. ولأنه قد تقدم ما يدل عليه وهو قوله : وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ «١».
وقال محمد بن عمر الرازي : فيها عندي بحث من وجوه : أحدها : أنّ بناء الفعل للمفعول لا تصريح فيه بأن المحرّم هو اللّه. وثانيها : أنّ حرمت لا يدل على التأبيد، إذ يمكن تقسيمه إلى المؤبد والمؤقت. وثالثها : أنّ عليكم خطاب مشافهة، فيختصّ بالحاضرين. ورابعها : أنّ حرمت ماض، فلا يتناول الحال والمستقبل. وخامسها : أنه يقتضي أنه يحرم على كل أحد جميع أمهاتهم. وسادسها : أنّ حرمت يشعر ظاهره بسبق الحل، إذ لو كان حراما لما قيل : حرمت. وثبت بهذه الوجوه أنّ ظاهر الآية وحده غير كاف في إثبات المطلوب انتهى ملخصا.
وهذه البحوث التي ذكرها لا تختص بهذا الموضع ولا طائل فيها، إذ من البواعث على حذف الفاعل العلم به، ومعلوم أنّ المحرّم هو اللّه تعالى. ألا ترى إلى آخر الآية وهو قوله : وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً «٢» وقال بعد :

_
(١) سورة النساء : ٤/ ٢٢.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٢٣.


الصفحة التالية
Icon