البحر المحيط، ج ٣، ص : ٧٢٩
أبو السمال : لعلمه بسكون اللام. قال ابن عطية : وذلك مثل شجر بينهم انتهى. وليس مثله لأنّ تسكين علم قياس مطرد في لغة تميم، وشجر ليس قياسا مطردا، إنما هو على سبيل الشذوذ. وتسكين علم مثل التسكين في قوله :
فإن تبله يضجر كما ضجر بازل من الادم دبرت صفحتاه وغاربه
وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا هذا خطاب للمؤمنين باتفاق من المتأولين قاله : ابن عطية. قال : والمعنى لو لا هداية اللّه لكم وإرشاده لبقيتم على كفركم وهو اتباع الشيطان. وقيل : الفضل الرسول. وقيل : الإسلام. وقيل : القرآن.
وقيل : في الرحمة أنها الوحي. وقيل : اللطف. وقيل : النعمة. وقيل : التوفيق. والظاهر أنّ الاستثناء هو من فاعل اتبعتم. قال الضحاك : هدى الكل منهم للإيمان، فمنهم من تمكن فيه حتى لم يخطر له قط خاطر شك، ولا عنت له شبهة ارتياب، وذلك هو القليل، وسائر من أسلم من العرب لم يخل من الخواطر، فلو لا فضل اللّه بتجريد الهداية لهم لضلوا واتبعوا الشيطان، ويكون الفضل معينا أي : رسالة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم والقرآن، لأن الكل إنما هدي بفضل اللّه على الإطلاق.
وقال قوم : إلا قليلا إشارة إلى من كان قبل الإسلام غير متبع للشيطان على ملة إبراهيم، أدركوا بعقولهم معرفة اللّه ووحدوه قبل أن يبعث الرسول، كزيد بن عمرو بن نفيل أدرك فساد ما عليه اليهود والنصارى والعرب، فوحد اللّه وآمن به، فعلى هذا يكون استثناء منقطعا إذ ليس مندرجا في المخاطبين بقوله : لاتبعتم.
وقال قوم : الاستثناء إنما هو من الاتباع، فقدره الزمخشري : إلا اتباعا قليلا، فجعله مستثنى من المصدر الدال عليه الفعل وهو لاتبعتم. وقال ابن عطية : في تقدير أن يكون استثناء من الاتباع قال : أي لاتبعتم الشيطان كلكم إلا قليلا من الأمور كنتم لا تتبعونه فيها، ففسره في الاستثناء بالمتبع فيه، فيكون استثناء من المتبع فيه المحذوف لا من الاتباع، ويكون استثناء مفرّعا، والتقدير : لا تبعتم الشيطان في كل شيء إلا قليلا من الأشياء فلا تتبعونه فيه. فإن كان ابن عطية شرح من حيث المعنى فهو صحيح، لأنه يلزم من الاستثناء الاتباع القليل أن يكون المتبع فيه قليلا، وإن كان شرح من حيث الصناعة النحوية فليس بجيد، لأن قوله : إلا اتباعا قليلا، لا يرادف إلا قليلا من الأمور كنتم لا تتبعونه فيها. وقال قوم : قوله إلا قليلا عبارة عن العدم، يريد : لاتبعتم الشيطان كلكم. قال ابن عطية : وهذا