البحر المحيط، ج ٣، ص : ٩٩
ويجوز أن يكون : وما عملت من سوء، موصولة في موضع رفع بالابتداء و : تودّ، جملة في موضع الخبر : لما، التقدير : والذي عملته من سوء تودّ هي لو تباعد ما بينها وبينه، وبهذا الوجه بدأ الزمخشري وثنى به ابن عطية، واتفقا على أنه لا يجوز أن يكون : وما عملت من سوء، شرطا. قال الزمخشري : لارتفاع : تودّ. وقال ابن عطية : لأن الفعل مستقبل مرفوع يقتضى جزمه، اللهم إلّا أن يقدر في الكلام محذوف، أي : فهي تودّ، وفي ذلك ضعف.
انتهى كلامه. وظهر من كلاميهما امتناع الشرط لأجل رفع : تودّ، وهذه المسألة كان سألني عنها قاضي القضاة أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي، رحمه اللّه، واستشكل قول الزمخشري. وقال : ينبغي أن يجوز غاية ما في هذا أن يكون مثل قول زهير :
وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول : لا غائب مالي ولا حرم
وكتبت جواب ما سألني عنه في كتابي الكبير المسمى :(بالتذكرة)، ونذكر هنا ما تمس إليه الحاجة من ذلك، بعد أن نقدّم ما ينبغي تقديمه في هذه المسألة، فنقول : إذا كان فعل الشرط ماضيا، وما بعده مضارع تتم به جملة الشرط والجزاء، جاز في ذلك المضارع الجزم، وجاز فيه الرفع، مثال ذلك : إن قام زيد يقوم عمرو، وان قام زيد يقم عمرو. فاما الجزم فعلى أنه جواب الشرط، ولا نعلم في جواز ذلك خلافا، وأنه فصيح، إلّا ما ذكره صاحب كتاب (الإعراب) عن بعض النحويين أنه : لا يجيء في الكلام الفصيح، وإنما يجيء مع : كان، لقوله تعالى مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها لأنها أصل الأفعال، ولا يجوز ذلك مع غيرها.
وظاهر كلام سيبويه، ونص الجماعة، أنه لا يختص ذلك بكان، بل سائر الأفعال في ذلك مثل كان، وأنشد سيبويه للفرزدق :
دسّت رسولا بأن القوم إن قدروا عليك يشفوا صدورا ذات توغير
وقال أيضا :
تعال فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبان