البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٣٢
والفتنة التي سقطوا فيها هي فتنة التخلف، وظهور كفرهم، ونفاقهم. ولفظة سقطوا تنبيء عن تمكن وقوعهم فيها. وقال قتادة : الإثم بخلافهم الرسول في أمره، وإحاطة جهنم بهم إما يوم القيامة، أو الآن على سبيل المجاز. لأنّ أسباب الإحاطة معهم فكأنهم في وسطها، أو لأنّ مصيرهم إليها.
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ : قال ابن عباس : الحسنة في يوم بدر، والمصيبة يوم أحد. وينبغي أن يحمل قوله على التمثيل، واللفظ عام في كل محبوب ومكروه، وسياق الحمل يقتضي أن يكون ذلك في الغزو، ولذلك قالوا : الحسنة الظفر والغنيمة، والمصيبة الخيبة والهزيمة، مثل ما جرى في أول غزوة أحد. ومعنى أمرنا الذي نحن متسمون به من الحذر والتيقظ والعمل بالحزم في التخلف عن الغزو، من قبل ما وقع من المصيبة. ويحتمل أن يكون التولي حقيقة أي : ويتولوا عن مقام التحديث بذلك، والاجتماع له إلى أهليهم وهم مسرورون. وقيل : أعرضوا عن الإيمان. وقيل : عن الرسول، فيكون التولي مجازا.
قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ : قرأ ابن مسعود وابن مصرف : هل يصيبنا مكان لن يصيبنا. وقرأ ابن مصرف أيضا وأعين قاضي الرّي : هل يصيبنا بتشديد الياء، وهو مضارع فيعل نحو : بيطر، لا مضارع فعل، إذ لو كان كذلك لكان صوّب مضاعف العين. قالوا : صوب رأيه لما بناه على فعل، لأنه من ذوات الواو. وقالوا : صاب يصوب ومصاوب جمع مصيبة، وبعض العرب يقول : صاب السهم يصيب، جعله من ذوات الياء، فعلى هذا يجوز أن يكون يصيبنا مضارع صيب على وزن فعل، والصيب يحتمل أن يكون كسيدوكلين. وقال عمرو بن شقيق : سمعت أعين قاضي الري يقول : قل لن يصيبنا بتشديد النون. قال أبو حاتم : ولا يجوز ذلك، لأن النون لا تدخل مع لن، ولو كانت لطلحة بن مصرف لحارت، لأنها مع هل. قال تعالى : هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ «١» انتهى. ووجه هذه القراءة تشبيه لن بلا وبلم، وقد سمع لحاق هذه النون بلا وبلم، فلما شاركتهما لن في النفي لحقت معها نون التوكيد، وهذا توجيه شذوذ.
أي : ما أصابنا فليس منكم ولا بكم، بل اللّه هو الذي أصابنا وكتب أي : في اللوح المحفوظ أو في القرآن من الوعد بالنصر، ومضاعفة الأجر على المصيبة، أو ما قضى

(١) سورة الحج : ٢٢/ ١٥.


الصفحة التالية
Icon