البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٩٨
الجهاد الذي يؤمرون به قسرا لأنهم يرون ذلك عذابا. وقال ابن زيد : مرتين هما عذاب الدنيا بالأموال والأولاد كل صنف عذاب فهو مرتان، وقرأ فَلا تُعْجِبْكَ «١» الآية. وقيل :
إحراق مسجد الضرار، والآخر إحراقهم بنار جهنم. ولا خلاف أن قوله : إلى عذاب عظيم هو عذاب الآخرة وفي مصحف أنس سيعذبهم بالياء، وسكن عياش عن أبي عمر والياء.
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : نزلت في عشرة رهط تخلفوا عن غزوة تبوك فلما دنا الرسول صلى اللّه عليه وسلم من المدينة أوثق سبعة منهم. وقيل : كانوا ثمانية منهم : كردم، ومرداس، وأبو قيس، وأبو لبابة. وقيل : سبعة. وقيل : ستة أوثق ثلاثة منهم أنفسهم بسواري المسجد، فيهم أبو لبابة. وقيل : كانوا خمسة. وقيل : ثلاثة أبو لبابة بن عبد المنذر، وأوس بن ثعلبة، ووديعة بن خذام الأنصاري. وقيل : نزلت في أبي لبابة وحده. ويبعد ذلك من لفظ وآخرون، لأنه جمع، فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المسجد حين قدم فصلى فيه ركعتين، وكانت عادته كلما قدم من سفر، فرآهم موثقين فسأل عنهم : فذكروا أنهم أقسموا لا يحلون أنفسهم حتى يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو الذي يحلهم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«وأنا أقسم أن لا أحلهم حتى أومر فيهم، رغبوا عني، وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين» فنزلت
، فأطلقهم وعذرهم. وقال مجاهد : نزلت في أبي لبابة في شأنه مع بني قريظة حين استشاروه في النزول على حكم اللّه ورسوله، فأشار هو لهم إلى حلقه يريد أنّ الرسول صلى اللّه عليه وسلم يذبحهم إن نزلوا، فلما افتضح تاب وندم، وربط نفسه في سارية في المسجد، وأقسم أن لا يطعم ولا يشرب حتى يعفو اللّه عنه أو يموت، فمكث كذلك حتى عفا اللّه عنه. والاعتراف : الإقرار بالذنب عملا صالحا توبة وندما، وآخر سيئا. أي تخلفا عن هذه الغزاة قاله : الطبري، أو خروجا إلى الجهاد قبل. وتخلفا عن هذه قاله : الحسن وغيره. أو توبة وإثما قاله : الكلبي.
وعطف أحدهما على الآخر دليل على أنّ كل واحد منهما مخلوط ومخلوط به، كقولك :
خلطت الماء واللبن، وهو بخلاف خلطت الماء باللبن، فليس فيه إلا أنّ الماء خلط باللبن، قال معناه الزمخشري : ومتى خلطت شيئا شيء صدق على كل واحد منهما أنه مخلوط ومخلوط به، من حيث مدلولية الخلط، لأنها أمر نسبي. قال الزمخشري : ويجوز أن يكون من قولهم : بعت الشاء شاة ودرهما، بمعنى شاة بدرهم.

(١) سورة التوبة : ٩/ ٥٥.


الصفحة التالية
Icon