البحر المحيط، ج ٥، ص : ٥٠٣
ياسر ووحشيا قاتل حمزة بهدمه وتحريقه، فهدم وحرق بنار في سعف، واتخذ كناسة ترمى فيها الجيف والقمامة. وقال ابن جريج : صلوا فيه الجمعة والسبت والأحد وانهار يوم الاثنين ولم يحرق.
وقرأ أهل المدينة : نافع، وأبو جعفر، وشيبة، وغيرهم، وابن عامر : الذين بغير واو، كذا هي في مصاحف المدينة والشام، فاحتمل أن يكون بدلا من قوله : وآخرون مرجون، وأن يكون خبر ابتداء تقديره : هم الذين، وأن يكون مبتدأ. وقال الكسائي : الخبر لا تقم فيه أبدا. قال ابن عطية : ويتجه بإضمار إما في أول الآية، وإما في آخرها بتقدير لا تقم في مسجدهم. وقال النحاس والحوفي : الخبر لا يزال بنيانهم. وقال المهدوي :
الخبر محذوف تقديره معذبون أو نحوه.
وقرأ جمهور القراء : والذين بالواو عطفا على وآخرون أي : ومنهم الذين اتخذوا، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره كخبر بغير الواو إذا أعرب مبتدأ. وقال الزمخشري :(فإن قلت) : والذين اتخذوا ما محله من الإعراب؟ (قلت) : محله النصب على الاختصاص كقوله تعالى : وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ «١» وقيل : هو مبتدأ وخبره محذوف، معناه فيمن وصفنا الذين اتخذوا كقوله تعالى : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ «٢» وانتصب ضرارا على أنه مفعول من أجله أي : مضارة لإخوانهم أصحاب مسجد قباء، ومعازّة وكفرا وتقوية للنفاق، وتفريقا بين المؤمنين، لأنهم كانوا يصلون مجتمعين في مسجد قباء فيغتص بهم، فأرادوا أن يفترقوا عنه وتختلف كلمتهم، إذ كان من يجاوز مسجدهم يصرفونه إليه، وذلك داعية إلى صرفه عن الإيمان. ويجوز أن ينتصب على أنه مصدر في موضع الحال. وأجاز أبو البقاء أن يكون مفعولا ثانيا لا تخذوا، وإرصادا أي : إعدادا لأجل من حارب اللّه ورسوله وهو أبو عامر الراهب أعدوه له ليصلي فيه، ويظهر على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان قد تعبد في الجاهلية فسمي الراهب، وسماه الرسول صلى اللّه عليه وسلم الفاسق، وكان سيدا في قومه نظيرا وقريبا من عبد اللّه بن أبي بن سلول، فلما جاء اللّه بالإسلام نافق ولم يزل مجاهرا بذلك، وقال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد محاورة :«لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم» فلم يزل يقاتله وحزب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الأحزاب، فلما ردهم اللّه بغيظهم أقام بمكة مظهرا للعداوة، فلما كان الفتح هرب إلى الطائف، فلما أسلم أهل الطائف هرب إلى الشام يريد قيصر

(١) سورة النساء : ٤/ ١٦٢.
(٢) سورة المائدة : ٥/ ٣٨.


الصفحة التالية
Icon