البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢١٢
وقعت في قوله : فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ «١» أو تكون واقعة على من يعقل على مذهب من يرى وقوعها على من يعقل مطلقا، ويكون المستثنى في قصة النار عصاة المؤمنين، وفي قصة الجنة هم، أو أصحاب الأعراف لأنهم لم يدخلوا الجنة لأول وهلة، ولا خلدوا فيها خلود من دخلها أول وهلة.
وقال الزمخشري :(فإن قلت) : ما معنى الاستثناء في قوله : إلا ما شاء ربك، وقد ثبت خلود أهل الجنة والنار في الآية من غير استثناء؟ (قلت) : هو استثناء من الخلود في عذاب النار، ومن الخلود في نعيم أهل الجنة، وذلك أنّ أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده، بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع من العذاب يساوي عذاب النار، وبما هو أغلظ منها كلها وهو سخط اللّه عليهم وخسؤه لهم وإهانته إياهم. وهكذا أهل الجنة لهم مع تبوّء الجنة ما هو أكبر منها وأجل موقعا منهم، وهو رضوان اللّه تعالى. كما قال : وَعَدَ اللَّهُ الآية إلى قوله : وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ «٢» ولهم ما يتفضل به عليهم سوى ثواب الجنة ما لا يعرف كنهه إلا هو، فهو المراد بالاستثناء، والدليل عليه قوله : عطاء غير مجذوذ. ومعنى قوله في مقابلته : إن ربك فعال لما يريد، أنه يفعل بأهل النار، ما يريد من العذاب، كما يعطي أهل الجنة عطاءه الذي لا انقطاع له، فتأمله فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضا ولا يخدعنك عنه قول المجبرة : المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة، فإن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم. وما ظنك بقوم نبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم لما روي لهم بعض الثوابت عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص : ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد، وذلك عند ما يلبثون فيها أحقابا. وقد بلغني أن من الضلال من اعتبر هذا الحديث، فاعتقد أنّ الكفار لا يخلدون في النار، وهذا ونحوه والعياذ باللّه من الخذلان المبين زادنا اللّه هداية إلى الحق ومعرفة بكتابه، وتنبيها عن أن نغفل عنه.
ولئن صح هذا عن أبي العاص فمعناه يخرجون من النار إلى برد الزمهرير، فذلك خلو جهنم وصفق أبوابها انتهى. وهو على طريق الاعتزال في تخليد أهل الكبائر غير التائبين من المؤمنين في النار، وأما ما ذكره من الاستثناء في أهل النار من كونهم لا يخلدون في عذاب النار، إذ ينتقلون إلى الزمهرير فلا يصدق عليهم أنهم خالدون في عذاب النار، فقد يتمشى.
وأما ما ذكره من الاستثناء في أهل الجنة من قوله : خالدين، فلا يتمشى لأنهم مع ما أعطاهم

(١) سورة النساء : ٤/ ٣. [.....]
(٢) سورة التوبة : ٩/ ٧٢.


الصفحة التالية
Icon