البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٥٨
نستأصل محمدا. وقال مجاهد : مِنْ فَوْقِكُمْ، يريد أهل نجد مع عيينة بن حصن، ومِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، يريد مكة وسائر تهامة، وهو قول قريب من الأول. وقيل : إنما يراد ما يختص ببقعة المدينة، أي نزلت طائفة في أعلى المدينة، وطائفة في أسفلها، وهذا قريب من القول الأول، وقد يكون ذلك على معنى المبالغة، أي جاءوكم من جميع الجهات، كأنه قيل : إذ جاءوكم محيطين بكم، كقوله : يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ «١»، المعنى : يغشاهم محيطا بجميع أبدانهم. وزيغ الأبصار : ميلها عن مستوى نظرها، فعل الواله الجزع. وقال الفراء : زاغت عن كل شيء، فلم تلتفت إلا إلى عدوها.
وبلوغ القلوب الحناجر : مبالغة في اضطرابها ووجيبها، دون أن تنتقل من مقرها إلى الحنجرة. وقيل : بحت القلوب من شدة الفزع، فيتصل وجيبها بالحنجرة، فكأنها بلغتها.
وقيل : يجد خشونة وقلبه يصعد علوا لينفصل، فالبلوغ ليس حقيقة. وقيل : القلب عند الغضب يندفع، وعند الخوف يجتمع فيتقلص بالحنجرة. وقيل : يفضي إلى أن يسد مخرج النفس، فلا يقدر المرء أن يتنفس، ويموت خوفا، ومثله : إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ «٢».
وقيل : إذا انتفخت الرئة من شدّة الفزع والغضب، أو الغم الشديد، ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة، ومن ثم قيل للجبان، انتفخ سحره. والظنون : جمع لما اختلفت متعلقاته، وإن كان لا ينقاس عند من جمع المصدر إذا اختلفت متعلقاته، وينقاس عند غيره، وقد جاء الظنون جمعا في أشعارهم، أنشد أبو عمرو في كتاب الألحان :
إذا الجوزاء أردفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونا
فظن المؤمنون الخلص أن ما وعدهم اللّه من النصر حق، وأنهم يستظهرون وظن الضعيف الإيمان مضطربه، والمنافقون أن الرسول والمؤمنين سيغلبون، وكل هؤلاء يشملهم الضمير في وَتَظُنُّونَ. وقال الحسن : ظنوا ظنونا مختلفة، ظن المنافقون أن المسلمين يستأصلون، وظن المؤمنون أنهم يبتلون. وقال ابن عطية : أي يكادون يضطربون، ويقولون : ما هذا الخلف للوعد؟ وهذه عبارة عن خواطر خطرت للمؤمنين، لا يمكن البشر دفعها. وأما المنافقون فعجلوا ونطقوا. وقال الزمخشري : ظن المؤمنون الثبت القلوب باللّه أن يبتليهم ويفتنهم، فخافوا الزلل وضعف الاحتمال والضعاف القلوب الذين هم على حرف والمنافقون ظنوا باللّه ما حكى عنهم، وكتب : الظنونا والرسولا والسبيلا في المصحف بالألف، فحذفها حمزة وأبو عمرو وقفا ووصلا وابن كثير،
(٢) سورة غافر : ٤٠/ ١٨.