البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٩١
بإسكان العين كغيره، وتشديد الدال جمعا بين الساكنين. وقوله : فَما لَكُمْ يدل على أن العدة حق الزوج فيها غالب، وإن كانت لا تسقط بإسقاطه، لما فيه من حق اللّه تعالى.
والظاهر أن من طلقت قبل المسيس لها المتعة مطلقا، سواء كانت ممدودة أم مفروضا لها.
وقيل : يختص هذا الحكم بمن لا مسمى لها. والظاهر أن الأمر في فَمَتِّعُوهُنَّ للوجوب، وقيل : للندب، وتقدم الكلام مشبعا في المتعة في البقرة. والسراج الجميل : هو كلمة طيبة دون أذى ولا منع واجب. وقيل : أن لا يطالبها بما آتاها. ولما بين تعالى بعض أحكام أنكحة المؤمنين، أتبعه بذكر طرف من نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم. والأجور : المهور، لأنه أجر على الاستمتاع بالبضع وغيره مما يجوز به الاستمتاع. وفي وصفهنّ ب اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ، تنبيه على أن اللّه اختار لنبيه الأفضل والأولى، لأن إيتاء المهر أولى وأفضل من تأخيره، ليتفصى الزوج عن عهدة الدين وشغل ذمته به، ولأن تأخيره يقتضي أنه يستمتع بها مجانا دون عوض تسلمته، والتعجيل كان سنة السلف، لا يعرف منهم غيره. ألا ترى إلى
قوله، عليه السلام، لبعض الصحابة حين شكا حالة التزوج :«فأين درعك الحطمية»؟
وكذلك تخصيص ما ملكت يمينه بقوله : مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ، لأنها إذا كانت مسبية، فملكها مما غنمه اللّه من أهل دار الحرب كانت أحل وأطيب مما تشترى من الجلب. فما سبي من دار الحرب قيل فيه سبي طيبة، وممن له عهد قيل فيه سبي خبيثة، وفيء اللّه لا يطلق إلا على الطيب دون الخبيث.
والظاهر أن قوله : إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ، مخصوص لفظة أزواجك بمن كانت في عصمته، كعائشة وحفصة، ومن تزوجها بمهر. وقال ابن زيد : أي من تزوجها بمهر، ومن تزوجها بلا مهر، وجميع النساء حتى ذوات المحارم من ممهورة ورقيقة وواهبة نفسها مخصوصة به. ثم قال بعد تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ : أي من هذه الأصناف كلها، ثم الضمير بعد ذلك يعم إلى قوله : وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ، فينقطع من الأول ويعود على أزواجه التسع فقط، وفي التأويل الأول تضييق. وعن ابن عباس : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتزوج أي النساء شاء، وكان ذلك يشق على نسائه.
فلما نزلت هذه الآية، وحرم عليه بها النساء، إلا من سمي سر نساؤه بذلك، وملك اليمين إنما يعلقه في النادر، وبنات العم، ومن ذكر معهنّ يسير. ومن يمكن أن يتزوج منهن محصور عند نسائه، ولا سيما وقد قرن بشرط الهجرة، والواجب أيضا من النساء قليل، فلذلك سر بانحصار الأمر. ثم مجيء تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ، إشارة إلى ما تقدم، ثم مجيء وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ،