البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٩٤
النصب على الحال، قاله الزجاج : أي أحللناها خالصة لك، والرفع خبر مبتدأ : أي هي خالصة لك، أي هبة النساء أنفسهنّ مختص بك، لا يجوز أن تهب المرأة نفسها لغيرك.
وأجمعوا على أن ذلك غير جائز لغيره، عليه السلام. ويظهر من كلام أبيّ بن كعب أن معنى قوله : خالِصَةً لَكَ يراد به جميع هذه الإباحة، لأن المؤمنين قصروا على مثنى وثلاث ورباع. وقال الزمخشري : والدليل على أنها وردت في أثر الإحلالات الأربع مخصوصة برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، على سبيل التوكيد لها قوله : قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ، بعد قوله : مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وهي جملة اعتراضية. وقوله : لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ متصل ب خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ في الأزواج الإماء، وعلى أي حد وصفه يجب أن يفرض عليهم، ففرضه وعلم المصلحة في اختصاص رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما اختصه به، ففعل.
ومعنى لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ : أي لكيلا يكون عليك ضيق في دينك، حيث اختصصناك بالتنزيه، واختصاص ما هو أولى وأفضل في دنياك، حيث أحللنا لك أجناس المنكوحات، وزدناك الواهبة نفسها ومن جعل خالصة نعتا للمرأة، فعلى مذهبه هذه المرأة خالصة لك من دونهم. انتهى. والظاهر أن لِكَيْلا متعلق بقوله : أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ. وقال ابن عطية : لِكَيْلا يَكُونَ، أي بينا هذا البيان وشرحنا هذا الشرح لكي لا يكون عليك حرج، ويظن بك أنك قد أثمت عند ربك، ثم آنس جميع المؤمنين بغفرانه ورحمته. وقال الزمخشري : غَفُوراً للواقع في الحرج إذا تاب، رَحِيماً بالتوسعة على عباده. انتهى، وفيه دسيسة اعتزالية. قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ الآية، معناه : أن ما ذكرنا فرضك وحكمك مع نسائك، وأما حكم أمتك فعندنا علمه، وسنبينه لهم. وإنما ذكر هذا لئلا يحمل واحد من المؤمنين نفسه على ما كان للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فإن له في النكاح والتسري خصائص ليست لغيره. وقال مجاهد : ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ، هو أن لا يجاوزوا أربعا. وقال قتادة : هو الولي والشهود والمهر. وقيل : ما فرضنا من المهر والنفقة والكسوة.
وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ، قيل : لا يثبت الملك إلا إذا كانت ممن يجوز سبيها. وقيل : ما أبحنا لهم من ملك اليمين مع الأربع الحرائر من غير عدد محصور، والمعنى : قد علمنا إصلاح كل منك ومن أمتك، وما هو الأصلح لك ولهم، فشرعنا في حقك وحقهم على وفق ما علمنا.
روي أن أزواجه عليه السلام لما تغايرن وابتغين زيادة النفقة، فهجرهن شهرا، ونزل