البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٩٥
التخيير، فأشفقن أن يطلقن فقلن : يا رسول اللّه، افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت.
وتقدم الكلام في معنى ترجي في قوله : وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ «١»، في سورة براءة.
والظاهر أن الضمير في مِنْهُنَّ عائد على أزواجه عليه السلام، والإرجاء : الإيواء. قال ابن عباس، والحسن : في طلاق ممن تشاء ممن حصل في عصمتك، وإمساك من تشاء.
وقالت فرقة : في تزوج من تشاء من الواهبات، وتأخير من تشاء. وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك : وتقرر من شئت في القسمة لها، وتؤخر عنك من شئت، وتقلل لمن شئت، وتكثر لمن شئت، لا حرج عليك في ذلك، فإذا علمن أن هذا حكم اللّه وقضاؤه، زالت الإحنة والغيرة عنهن ورضين وقرت أعينهن، وهذا مناسب لما روي في سبب هذه الآية المتقدم ذكره.
وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ : أي ومن طلبتها من المعزولات ومن المفردات، فَلا جُناحَ عَلَيْكَ في ردها وإيوائها إليك. ويجوز أن يكون ذلك توكيدا لما قبله، أي ومن ابتغيت ممن عزلت ومن عزلت سواء، لا جناح عليك. كما تقول : من لقيك ممن لم يلقك، جميعهم لك شاكر، تريد من لقيك ومن لم يلقك، وفي هذا الوجه حذف المعطوف، وغرابة في الدلالة على هذا المعنى بهذا التركيب، والراجح القول الأول. وقال الحسن : المعنى : من مات من نسائك اللواتي عندك، أو خليت سبيلها، فلا جناح عليك أن تستبدل عوضها من اللاتي أحللت لك، فلا تزداد على عدة نسائك اللاتي عندك. وقال الزمخشري : بمعنى تترك مضاجع من تشاء منهن وتضاجع من تشاء، أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء، أو لا تقسم لأيتهن شئت وتقسم لمن شئت، أو تترك من تشاء من أمتك وتتزوج من شئت. وعن الحسن : كان النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها، وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض، لأنه إما أن يطلق، وأما أن يمسك. فإذا أمسك ضاجع، أو ترك وقسم، أو لم يقسم. وإذا طلق وعزل، فإما أن يخلي المعزولة لا يتبعها، أو يتبعها.
وروي أنه أرجأ منهن : سودة، وجويرية، وصفية، وميمونة، وأم حبيبة. فكان يقسم لهن ما شاء كما شاء، وكانت ممن أوى إليه : عائشة، وحفصة، وأم سملة، وزينب، أرجأ خمسا وأوى أربعا.
وروي أنه كان يسوي بينهن مع ما أطلق له وخير فيه إلا سودة، فإنها وهبت نفسها لعائشة وقالت : لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك.
انتهى. ذلك التفويض إلى مشيئتك أدنى إلى قرة عيونهن وانتفاء حزنهن ووجود رضاهن،