البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٩٦
إذا علمت أن ذلك التفويض من عند اللّه، فحالة كل منهن كحالة الأخرى في ذلك.
وقرأ الجمهور : أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ : مبنيا للفاعل من قرت العين وابن محيصن : يقر من أقر أعينهن بالنصب، وفاعل تقر ضمير الخطاب، أي أنت. وقرئ : تقر مبنيا للمفعول، وأعينهن بالرفع. وقرأ الجمهور : كُلُّهُنَّ بالرفع، تأكيدا لنون يَرْضَيْنَ وأبو إياس حوبة بن عائد : بالنصب تأكيدا لضمير النصب في آتَيْتَهُنَّ. وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ : عام. قال ابن عطية : والإشارة به هاهنا إلى ما في قلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من محبة شخص دون شخص، ويدخل في المعنى المؤمنون. وقال الزمخشري، وعبيدة : من لم يرض منهن بما يريد اللّه من ذلك، وفوض إلى مشيئة رسوله، وبعث على تواطؤ قلوبهن، والتصافي بينهن، والتوافق على طلب رضا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وما فيه طيب نفسه. انتهى.
وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بما انطوت عليه القلوب، حَلِيماً : يصفح عما يغلب على القلب من المسئول، إذ هي مما لا يملك غالبا. واتفقت الروايات على أنه عليه الصلاة والسلام، كان يعدل بينهن في القسمة حتى مات، ولم يستعمل شيئا مما أبيح له، ضبطا لنفسه وأخذا بالفضل، غير ما جرى لسودة
مما ذكرناه.
لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ : الظاهر أنها محكمة، وهو قول أبيّ بن كعب وجماعة، منهم الحسن وابن سيرين، واختاره الطبري. ومن بعد المحذوف منه مختلف فيه، فقال أبيّ، وعكرمة، والضحاك : ومن بعد اللواتي أحللنا لك في قوله : إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ. فعلى هذا المعنى، لا تحل لك النساء من بعد النساء اللاتي نص عليهن أنهن يحللن لك من الأصناف الأربعة : لا أعرابية، ولا عربية، ولا كتابية، ولا أمة بنكاح. وقال ابن عباس، وقتادة : من بعد، لأن التسع نصاب رسول اللّه من الأزواج، كما أن الأربع نصاب أمته منهن. قال : لما خيرن فاخترن اللّه ورسوله، جازاهن اللّه أن حظر عليه النساء غيرهن وتبديلهن، ونسخ بذلك ما أباحه له قبل من التوسعة في جميع النساء. وقال مجاهد، وابن جبير : وروي عن عكرمة : من بعد، أي من بعد إباحة النساء على العموم، ولا تحل لك النساء غير المسلمات من يهودية ولا نصرانية. وكذلك : وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ : أي بالمسلمات من أزواج يهوديات ونصرانيات. وقيل : في قوله وَلا أَنْ تَبَدَّلَ، هو من البدل الذي كان في الجاهلية. كان يقول الرجل : بادلني بامرأتك وأبادلك بامرأتي، فينزل كل واحد منهما عن امرأته للآخر. قال معناه ابن زيد، وأنه كان في الجاهلية، وأنكر هذا القول الطبري وغيره في معنى الآية، وما فعلت العرب قط هذا. وما