البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٠٠
بعضهم ببعض لأجل حديث يحدثه، به أو اللام المقوية لطلب اسم الفاعل للمفعول، فنهوا أن يستأنسوا حديث أهل البيت. واستئناسه : تسمعه وتوحشه.
إِنَّ ذلِكُمْ : أي انتظاركم واستئناسكم، يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ : أي من إنهاضكم من البيوت، أو من إخراجكم منها بدليل قوله : وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ :
يعني أن إخراجكم حق ما ينبغي أن يستحيا منه. ولما كان الحياء مما يمنع الحي من بعض الأفعال، قيل : لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ بمعنى : لا يمتنع، وجاء ذلك على سبيل المقابلة لقوله : فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ. وعن عائشة، وابن عباس : حسبك في الثقلاء، أن اللّه لم يحتملهم. وقرئت هذه الآية بين يدي إسماعيل بن أبي حكيم فقال : هنا أدب أدب اللّه به الثقلاء. وقرأت فرقة : فيستحيي بكسر الحاء، مضارع استحا، وهي لغة بني تميم.
واختلفوا ما المحذوف، أعين الكلمة أم لامها؟ فإن كان العين فوزنها يستفل، وإن كان اللام فوزنها يستفع، والترجيح مذكور في النحو. وقرأ الجمهور : بياءين وسكون الحاء، والمتاع عام في ما يمكن أن يطلب على عرف السكنى والمجاورة من المواعين وسائر المرافق للدين والدنيا. ذلِكُمْ، أي السؤال من وراء الحجاب، أَطْهَرُ : يريد من الخواطر التي تخطر للرجال في أمر النساء، والنساء في أمر الرجال، إذ الرؤية سبب التعلق والفتنة. ألا ترى إلى قول الشاعر :
والمرء ما دام ذاعين يقلبها في أعين العين موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ساء مهجته لا مرحبا بانتفاع جاء بالضرر
وذكر أن بعضهم قال : أننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب؟ لئن مات محمد لأتزوجن فلانة. وقال ابن عباس وبعض الصحابة : وفلانة عائشة. وحكى مكي عن معمر أنه قال : هو طلحة بن عبيد اللّه. قال ابن عطية : وهذا عندي لا يصح على طلحة فإن اللّه عصمه منه. وفي التحرير أنه طلحة، فنزلت : وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً، فتاب وأعتق رقبة، وحمل على عشرة أبعرة في سبيل اللّه، وحج ماشيا.
وروي أن بعض المنافقين قال : حين تزوج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أم سلمة بعده، أي بعد سلمة، وحفصة بعد خنيس بن حذافة : ما بال محمد يتزوج نساءنا؟ واللّه لو قد مات لأجلنا السهام على نسائه. ولما توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وارتدت العرب ثم رجعت، تزوج عكرمة ابن أبي جهل قتيلة بنت الأشعث بن قيس، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قد تزوجها ولم يبن بها.
فصعب ذلك على أبي بكر وقلق، فقال له عمر : مهلا يا خليفة يا خليفة رسول اللّه، إنها ليست من