البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٠١
نسائه، إنه لم يبن بها، ولا أرخى عليها حجابا، وقد أبانتها منه ردتها مع قومها. فسكن أبو بكر، وذهب عمر إلى أن لا يشهد جنازة زينب إلا ذو محرم عنها، مراعاة للحجاب، فدلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش في القبة، وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة، ومنعه عمر. وروي أنه صنع ذلك في جنازة فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ : عام في كل ما يتأذى به، وَلا أَنْ تَنْكِحُوا :
خاص بعد عام، لأن ذلك يكون أعظم الأذى، فحرم اللّه نكاح أزواجه بعد وفاته. إِنَّ ذلِكُمْ : أي إذايته ونكاح أزواجه، كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً : وهذا من أعلام تعظيم اللّه لرسوله، وإيجابه حرمته حيا وميتا، وإعلامه بذلك مما طيب به نفسه، فإن نحو هذا مما يحدث به المرء نفسه. ومن الناس من تفرط غيرته على حرمته حتى يتمنى لها الموت، لئلا تنكح من بعده، وخصوصا العرب، فإنهم أشد الناس غيرة. وحكى الزمخشري أن بعض الفتيان قبّل جارية كان يحبها في حكاية قال : تصورا لما عسى أن يتفق من بقائها بعده، وحصولها تحت يد غيره. انتهى. فقال لما عسى، فجعل عسى صلة للموصول، وقد كثر منه هذا وهو لا يجوز. وعن بعض الفقهاء، أن الزوج الثاني في هدير الثلث يجري مجرى العقوبة، فعنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عملا يلاحظ ذلك. إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ : وعيد لما تقدم التعرض به في الآية ممن أشير إليه بقوله : ذلِكُمْ أَطْهَرُ، ومن أشير إليه : وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا، فقيل : إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً على ألسنتكم، أَوْ تُخْفُوهُ في صدوركم، مما يقع عليه العقاب، فاللّه يعلمه، فيجازي عليه. وقال : شَيْئاً، ليدخل فيه ما يؤذيه، عليه السلام، من نكاحهن وغيره، وهو صالح لكل باد وخاف.
وروي أنه لما نزلت آية الحجاب قال : الآباء والأبناء والأقارب، أو نحن يا رسول اللّه أيضا، نكلمهن من وراء حجاب، فنزلت
: لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ : أي لا إثم عليهن. قال قتادة : في ترك الحجاب. وقال مجاهد : في وضع الجلباب وإبداء الزينة. وقال الشعبي :
لم يذكر العم والخال، وإن كانا من المحارم، لئلا يصفا للأبناء، وليسوا من المحارم. وقد كره الشعبي وعكرمة أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها، وقيل : لأنهما يجريان مجرى الوالدين، وقد جاءت تسمية العم أبا. وذكر هنا بعض المحارم، والجميع في سورة النور. ودخل في : وَلا نِسائِهِنَّ، الأمهات والأخوات وسائر القربات، ومن يتصل بهن من المتطرفات لهن. وقال ابن زيد وغيره : أراد جميع النساء المؤمنات، وتخصيص الإضافة إنما هي في الإيمان. وقال مجاهد : من أهل دينهن، وهو كقول ابن زيد. والظاهر


الصفحة التالية
Icon