البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٤٨
أهل ملكته قد استهانوه حتى ترك بعضهم الاستئذان، فيكون فزعه على فساد السيرة، لا من الداخلين. وقال أبو الأحوص : فزع منهم لأنهما دخلا عليه، وكل منهما آخذ برأس صاحبه. وقيل : فزع منهم لما رأى من تسورهم على موضع مرتفع جدا لا يمكن أن يرتقي إليه بعد أشهر مع أعوان وكثرة عدد. وقيل : إنهما قالا : لم نتوصل إليك إلا بالتسور لمنع الحجاب، وخفنا تفاقم الأمر بيننا، فقبل داود عذرهم. ولما أدركوا منه الفزع قالوا : لا تَخَفْ، أي لسنا ممن جاء إلا لأجل التحاكم. خَصْمانِ : يحتمل أن يكون هذا موصولا بقولهما : لا تَخَفْ، بادرا بإخبار ما جاءا إليه. ويحتمل أن يكون سألهم : ما أمركم؟ فقالوا : خصمان، أي نحن خصمان. بَغى : أي جار، بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ، كما قال الشاعر :
ولكن الفتى حمل بن بدر بغى والبغي مرتعه وخيم
وقرأ أبو يزيد الجراد، عن الكسائي : خصمان، بكسر الخاء وفي أمرهم له ونهيهم ببعض فظاظة على الحكام، حمل على ذلك ما هم فيه من التخاصم والتشاجر، واستدعوا عدله من غير ارتياب في أنه يحكم بالعدل. وقرأ الجمهور : وَلا تُشْطِطْ، مفكوكا من أشط رباعيا وأبو رجاء، وابن أبي عبلة، وقتادة، والحسن، وأبو حيوة : تشطط، من شط ثلاثيا. وقرأ قتادة أيضا : تشط، مدغما من أشط. وقرأ زر : تشاطط، بضم التاء وبالألف على وزن تفاعل، مفكوكا، وعن قتادة أيضا : تشطط من شطط، وسَواءِ الصِّراطِ : وسط طريق الحق، لا ميل فيه من هنا ولا هنا.
إِنَّ هذا أَخِي : هو قول المدعي منهما، وأخي عطف بيان عند ابن عطية، وبدل أو خبر لأن عند الزمخشري. والأخوّة هنا مستعارة، إذ هما ملكان، لكنهما لما ظهرا في صورة إنسانين تكلما بالأخوّة، ومجازها أنها أخوة في الدين والإيمان، أو على معنى الصحبة والمرافقة، أو على معنى الشركة والخلطة لقوله : وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ، وكل واحدة من هذه الأخوات تقتضي منع الاعتداء، ويندب إلى العدل. وقرأ الجمهور : تِسْعٌ وَتِسْعُونَ، بكسر التاء فيهما. وقرأ الحسن، وزيد بن علي : بفتحها. وقرأ الجمهور :
نَعْجَةً، بفتح النون والحسن، وابن هرمز : بكسر النون، وهي لغة لبعض بني تميم.
قيل : وكنى بالنعجة عن الزوجة. فَقالَ أَكْفِلْنِيها : أي ردها في كفالتي. وقال ابن كيسان : اجعلها كفلي، أي نصيبي. وقال ابن عباس : أعطنيها وعنه، وعن ابن مسعود :
تحول لي عنها وعن أبي العالية : ضمها إلي حتى أكفلها. وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ، قال