البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٢٨
ا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ، وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ، اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ، يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ، اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ، مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ
لما عدد تعالى نعمه عليهم الخاصة، أتبعه بذكر نعمه العامة، وهو ما شرع لهم من العقائد المتفق عليها، من توحيد اللّه وطاعته، والإيمان برسله وبكتبه وباليوم الآخر، والجزاء فيه. ولما كان أول الرسل نوح عليه السلام، وآخرهم محمد صلى اللّه عليه وسلم، قال : ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، ثم أتبع ذلك ما وصى به إبراهيم، إذ كان أبا العرب، ففي ذلك هزلهم وبعث على اتباع طريقته، وموسى وعيسى صلوات اللّه عليهم، لأنهما هما اللذان كان أتباعهما موجودين زمان بعثة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. والشرائع متفقة فيما ذكرنا من العقائد، وفي كثير من الأحكام، كتحريم الزنا والقتل بغير حق. والشرائع مشتملة على عقائد وأحكام ويقال : إن نوحا أول من أتى بتحريم البنات والأمهات وذوات المحارم.
وقال ابن عباس : اختار، ويحتمل أن تكون أن مفسرة، لأن قبلها ما هو بمعنى القول، فلا موضع لها من الأعراب. وأن تكون أن المصدرية، فتكون في موضع نصب على البدل من ما وما عطف عليها، أو في موضع رفع، أي ذلك، أو هو إقامة الدين، وهو توحيد اللّه وما يتبعه مما لا بد من اعتقاده. ثم نهى عن التفرقة فيه، لأن التفرق سبب للهلاك، والاجتماع والألفة سبب للنجاة. كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ : أي عظم وشق، ما توعدهم إليه من توحيد اللّه وترك عباده الأصنام وإقامة الدين. اللَّهُ يَجْتَبِي : يجتلب ويجمع، إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ هدايته، وهذا تسلية للرسول. وقيل : يجتبي، فيجعله رسولا إلى عباده، وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ : يرجع إلى طاعته عن كفره. وقال الزمخشري : مَنْ يَشاءُ : من ينفع فيهم توفيقه ويجري عليهم لطفه. انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال.
وقال الحافظ أبو بكر بن العربي : لم يكن مع آدم عليه السلام إلا بنوه، ولم تفرض، له الفرائض، ولا شرعت له المحارم، وإنما كان منبها على بعض الأمور، مقتصرا على ضرورات المعاش. واستمر الهدى إلى نوح، فبعثه اللّه بتحريم الأمهات والبنات، ووظف


الصفحة التالية
Icon