البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٣٠
وصى به نوحا. ولما تقدم شيئان : الأمر بإقامة الدين، وتفرق الذين جاءهم العلم واختلافهم وكونهم في شك، احتمل قوله. فَلِذلِكَ، أن يكون إشارة إلى إقامة الدين، أي فادع لدين اللّه وإقامته، لا تحتاج إلى تقدير اللام بمعنى لأجل، لأن دعا يتعدى باللام، قال الشاعر :
دعوت لما نابني مسورا فلبى فلبى يدي مسورا
واحتمل أن تكون اللام للعلة، أي فلأجل ذلك التفرق. ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعبا، فَادْعُ إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية، وَاسْتَقِمْ : أي دم على الاستقامة، وتقدم الكلام على فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ «١»، وكيفية هذا التشبيه في أواخر هود. وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ المختلفة الباطلة، وأمره بأن يصرح أنه آمن بكل كتاب أنزله اللّه، لأن الذين تفرقوا آمنوا ببعض. وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ، قيل : إن المعنى : وأمرت بما أمرت به لأعدل بينكم في إيصال ما أمرت به إليكم، لا أخص شخصا بشيء دون شخص، فالشريعة واحدة، والأحكام مشترك فيها. وقيل : لا عدل بينكم في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم. لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ : أي قد وضحت الحجج وقامت البراهين وأنتم محجوجون، فلا حاجة إلى إظهار حجة بعد ذلك. اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وبينكم، أي يوم القيامة، فيفصل بيننا. وما يظهر في هذه الآية من الموادعة منسوخ بآية السيف.
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ : أي يخاصمون في دينه، قال ابن عباس ومجاهد :
نزلت في طائفة من بني إسرائيل همت برد الناس عن الإسلام وإضلالهم ومحاجتهم، بل قالوا : كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم فديننا أفضل، فنزلت الآية في ذلك. وقيل :
نزلت في قريش، كانوا يجادلون في هذا المعنى، ويطمعون في رد المؤمنين إلى الجاهلية.
واستجيب مبني للمفعول، فقيل : المعنى من بعد ما استجاب الناس للّه، أي لدينه ودخلوا فيه. وقيل : من بعد ما استجاب اللّه له، أي لرسوله ودينه، بأن نصره يوم بدر وظهر دينه.
حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ أي باطلة لا ثبوت لها. ولما ذكر من يحاج في دين الإسلام، صرح بأنه تعالى هو الذي أنزل الكتاب، والكتاب جنس يراد به الكتب الإلهية. وَالْمِيزانَ، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم : هو العدل وعن ابن مجاهد : هو هنا الميزان الذي بأيدي الناس، وهذا مندرج في العدل.

(١) سورة هود : ١١/ ١١٢.


الصفحة التالية
Icon