البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٠١
سليمان أو كريم حسن الخلق، قاله مقاتل. أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ يحتمل أن تكون أن تفسيرية، لأنه تقدم ما يدل على معنى القول، وهو رسول كريم، وأن تكون أن مخففة من الثقيلة أو الناصبة للمضارع، فإنها توصل بالأمر. قال ابن عباس : أن أدوا إليّ الطاعة يا عباد اللّه : أي اتبعوني على ما أدعوكم إليه من الإيمان. وقال مجاهد، وقتادة، وابن زيد : طلب منهم أن يؤدوا إليه بني إسرائيل، كم قال : فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم. فعلى قول ابن عباس : عباد اللّه : منادى، ومفعول أدوا محذوف وعلى قول مجاهد ومن ذكر معه : عباد اللّه : مفعول أدوا. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ : أي غير متهم، قد ائتمنني اللّه على وحيه ورسالته.
وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ : أي لا تستكبروا على عبادة اللّه، قاله يحيى بن سلام.
قال ابن جريح : لا تعظموا على اللّه. قيل : والفرق بينهما أن التعظيم تطاول المقتدر، والاستكبار ترفع المحتقر، ذكره الماوردي، وأن هنا كان السابق في أوجهها الثلاثة. إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ : أي بحجة واضحة في نفسها، وموضحة صدق دعواي. وقرأ الجمهور : إني، بكسر الهمزة، على سبيل الإخبار وقرأت فرقة : بفتح الهمزة. والمعنى :
لا تعلوا على اللّه من أجل أني آتيكم، فهذا توبيخ لهم، كما تقول : أتغضب إن قال لك الحق؟ وَإِنِّي عُذْتُ : أي استجرت بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ : كانوا قد توعدوه بالقتل، فاستعاذ من ذلك. وقرىء : عدت، بالإدغام. قال قتادة وغيره : الرجم هنا بالحجارة. وقال ابن عباس، وأبو صالح : بالشتم وقول قتادة أظهر، لأنه قد وقع منهم في حقه ألفاظ لا تناسب وهذه المعاذة كانت قبل أن يخبره تعالى بقوله : فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما «١».
وإن لم تؤمنوا إلي : أي تصدقوا، فاعتزلون : أي كونوا بمعزل، وهذه مشاركة حسنة.
فَدَعا رَبَّهُ : أني مغلوب فانتصر، أَنَّ هؤُلاءِ : لفظ تحقير لهم. وقرأ الجمهور :
أن هؤلاء، بفتح الهمزة، أي بأن هؤلاء. وقرأ ابن أبي إسحاق، وعيسى، والحسن في رواية، وزيد بن علي : بكسرها. فَأَسْرِ بِعِبادِي : في الكلام حذف، أي فانتقم منهم، فقال له اللّه : أسر بعبادي، وهم بنوا إسرائيل ومن آمن به من القبط. وقال الزمخشري : فيه وجهان : إضمار القول بعد الفاء، فقال : أسر بعبادي، وأن يكون جوابا بالشرط محذوف كأنه قيل : قال إن كان الأمر كما تقول، فأسر بعبادي. انتهى. وكثيرا ما يجيز هذا الرجل

(١) سورة القصص : ٢٨/ ٣٥.


الصفحة التالية
Icon