البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٠٤
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ، ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ، إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ، يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعامُ الْأَثِيمِ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ، خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ، ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ، إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ، كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ، يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ، لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ، فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ.
لما ذكر تعالى إهلاك فرعون وقومه، ذكر إحسانه لبني إسرائيل فبدأ بدفع الضرر عنهم، وهو نجاتهم مما كانوا فيه من العذاب. ثم ذكر اتصال النفع لهم، من اختيارهم على العالمين، وإيتائهم الآيات والعذاب المهين : قتل أبنائهم، واستخدامهم في الأعمال الشاقة. وقرأ عبد اللّه : مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ : وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، كبقلة الحمقاء. ومِنْ فِرْعَوْنَ : بدل مِنَ الْعَذابِ، على حذف مضاف، أي من عذاب فرعون. أولا حذف جعل فرعون نفسه هو العذاب مبالغة. وقيل : يتعلق بمحذوف، أي كائنا وصادرا من فرعون. وقرأ ابن عباس : مِنْ فِرْعَوْنَ، من : استفهام مبتدأ، وفرعون خبره. لما وصف فرعون بالشدة والفظاعة قال : من فرعون؟ على معنى : هل تعرفونه من هو في عتوه وشيطنته؟ ثم عرف حاله في ذلك بقوله : إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ : أي مرتفعا على العالم، أو متكبرا مسرفا من المسرفين.
وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ : أي اصطفيناهم وشرفناهم. عَلى عِلْمٍ علم مصدر لم يذكر فاعله، فقيل : على علم منهم، وفضل فيهم، فاخترناهم للنبوات والرسالات. وقيل : على علم منا، أي عالمين بمكان الخيرة، وبأنهم أحقاء بأن يختاروا. وقيل : على علم منا بما يصدر من العدل والإحسان والعلم والإيمان، بأنهم يزيفون، وتفرط منهم الهنات في بعض الأموال. وقيل : اخترناهم بهذا الانجاء وهذه النعم على سابق علم لنا فيهم، وخصصناهم بذلك دون العالم. عَلَى الْعالَمِينَ : أي عالمي زمانهم، لأن أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم مفضلة عليهم. وقيل : على العالمين عام لكثرة الأنبياء فيهم، وهذا خاص بهم ليس لغيرهم. وكان الاختيار من هذه الجهة، لأن أمة محمد أفضل. وعلى، في قوله : عَلى عِلْمٍ، ليس


الصفحة التالية
Icon