البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٩٥
مكة، وأسروا منهم جملة، وسيقوا إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم، فمنّ عليهم وأطلقهم.
وقال قتادة :
كان ذلك بالحديبية عند معكسره، وهو ببطن مكة. وعن أنس : هبط ثمانون رجلا من أهل مكة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من جبل التنعيم مسلحين يريدون غرته، فأخذناهم فاستحياهم.
وفي حديث عبد اللّه بن معقل أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعا عليهم، فأخذ اللّه أبصارهم، فقال لهم :«هل جئتم في عهد؟ وهل جعل لكم أحد أمانا»؟ قالوا : اللهم لا، فخلى سبيلهم.
وقال الزمخشري كان يعني هذا الكف يوم الفتح، وبه استشهد أبو حنيفة، على أن مكة فتحت عنوة لا صلحا. وقيل : كان ذلك في غزوة الحديبية، لما
روي أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة، فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من هزمه وأدخله حيطان مكة.
وعن ابن عباس : أظهر اللّه المسلمين عليهم بالحجارة حتى أدخلوهم البيوت. انتهى. وقرأ الجمهور : بما تعملون، على الخطاب وأبو عمرو : بالياء، وهو تهديد للكفار.
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا : يعني أهل مكة. قال ابن خالويه : يقال الهدي والهدى والهداء، ثلاث لغات. انتهى. وقرأ الجمهور : الهدي، بسكون الدال، وهي لغة قريش وابن هرمز، والحسن، وعصمة عن عاصم، واللؤلؤي، وخارجة عن أبي عمرو : والهدي، بكسر الدال وتشديد الياء، وهما لغتان، وهو معطوف على الضمير في صدّوكم ومعكوفا :
حال، أي محبوسا. عكفت الرجل عن حاجته : حبسته عنها، وأنكر أبو عليّ تعدية عكف، وحكاه ابن سيدة والأزهري وغيرهما. وهذا الحبس يجوز أن يكون من المشركين بصدهم، أو من جهة المسلمين لتردّدهم ونظرهم في أمرهم. وقرأ الجعفي، عن أبي عمرو :
والهدي، بالجر معطوفا على المسجد الحرام : أي وعن نحر الهدي. وقرأ : بالرفع على إضمار وصد الهدي، وكان خرج عليه ومعه مائة بدنة، قاله مقاتل. وقيل : بسبعين، وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت البدنة عن عشرة، قاله المسور بن مخرمة وأبيّ بن الحكم.
أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، قال الشافعي : الحرم، وبه استدل أبو حنيفة أن محل هدي المحصر الحرم، لا حيث أحصر. وقال الفراء : حيث يحل نحره، وأَنْ يَبْلُغَ : يحتمل أن يتعلق بالصد، أي وصدوا الهدي، وذلك على أن يكون بدل اشتمال، أي وصدوا بلوغ الهدي محله، أو على أنه مفعول من أجله، أي كراهة أن يبلغ محله. ويحتمل أن يتعلق بمعكوفا، أي محبوسا لأجل أن يبلغ محله، فيكون مفعولا من أجله، ويكون الحبس من المسلمين. أو محبوسا عن أن يبلغ محله، فيكون الحبس من المشركين، وكان بمكة قوم من المسلمين مختلطين بالمشركين، غير متميزين عنهم، ولا معروفي الأماكن فقال


الصفحة التالية
Icon