البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٩٦
تعالى : ولو لا كراهة أن يهلكوا أناسا مؤمنين بين ظهراني المشركين وأنتم غير عارفين لهم، فيصيبكم بإهلاكهم مكروه ومشقة، ما كف أيديكم عنهم وحذف جواب لو لا لدلالة الكلام عليه. قال الزمخشري : ويجوز أن يكون : لَوْ تَزَيَّلُوا، كالتكرير للولا رجال مؤمنون، لمرجعهما إلى معنى واحد، ويكون : لَعَذَّبْنَا، هو الجواب. انتهى. وقوله : لمرجعهما إلى معنى واحد ليس بصحيح، لأن ما تعلق به لو لا الأولى غير ما تعلق به الثانية : فالمعنى في الأولى : ولو لا وطء قوم مؤمنين، والمعنى في الثانية : لو تميزوا من الكفار وهذا معنى مغاير للأول مغايرة ظاهرة. وأَنْ تَطَؤُهُمْ : بدل اشتمال من رجال وما بعده. وقيل : بدل من الضمير في تَعْلَمُوهُمْ، أي لم تعلموا وطأتهم، أي أنه وطء مؤمنين. وهذا فيه بعد.
والوطء : الدوس، وعبر به عن الإهلاك بالسيف وغيره. قال الشاعر :
ووطئتنا وطأ على حنق وطء المقيد ثابت الهرم
وفي الحديث :«اللهم اشدد وطأتك على مضر». ولَمْ تَعْلَمُوهُمْ : صفة لرجال ونساء غلب فيها المذكر والمعنى : لم تعرفوا أعيانهم وأنهم مؤمنون. وقال ابن زيد :
المعرة : المأثم. وقال ابن إسحاق : الدية. وقال ابن عطية : وهذا ضعيف، لأنه لا إثم ولا دية في قتل مؤمن مستور الإيمان بين أهل الحرب. وقال الطبري : هي الكفارة. وقال القاضي منذر بن سعيد : المعرة : أن يعنفهم الكفار، ويقولون قتلوا أهل دينهم. وقيل :
الملامة وتألم النفس منه في باقي الزمن. ولفق الزمخشري من هذه الأقوال سؤالا وجوابا على عادته في تلفق كلامه من أقوالهم وإيهامه أنها سؤالات وأجوبة له فقال : فإن قلت : أي معرة تصيبهم إذا قتلوهم وهم لا يعلمون؟ قلت : يصيبهم وجوب الدية والكفارة، وسوء مقالة المشركين أنهم فعلوا بأهل دينهم ما فعلوا بنا من غير تمييز، والمأثم إذا جرى منهم بعض التقصير. انتهى.
بِغَيْرِ عِلْمٍ : أخبار عن الصحابة وعن صفتهم الكريمة من العفة عن المعصية والامتناع من التعدي حتى أنهم لو أصابوا من ذلك أحدا لكان من غير قصد، كقول النملة عن جند سليمان : وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ «١». وبغير علم متعلق بأن تطؤهم. وقيل : متعلق بقوله : فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ من الذين بعدكم ممن يعتب عليكم. وقرأ الجمهور : لو تزيلوا وابن أبي عبلة، وابن مقسم، وأبو حيوة، وابن عون : لو تزايلوا، على وزن تفاعلوا،

(١) سورة النمل : ٢٧/ ١٨.


الصفحة التالية
Icon