البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٩٧
وليدخل متعلق بمحذوف دل عليه المعنى، أي كان انتفاء التسليط على أهل مكة، وانتفاء العذاب. لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ : وهذا المحذوف هو مفهوم من جواب لو، ومعنى تزيلوا : لو ذهبوا عن مكة، أي لو تزيل المؤمنون من الكفار وتفرقوا منهم، ويجوز أن يكون الضمير للمؤمنين والكفار، أي لو افترق بعضهم من بعض. إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ : إذ معمول لعذبنا، أو لو صدوكم، أو لا ذكر مضمرة.
والحمية : الأنفة، يقال : حميت عن كذا حمية، إذا أنفت عنه وداخلك عار وأنفة لفعله، قال المتلمس :
إلا أنني منهم وعرضي عرضهم كذا الرأس يحمي أنفه أن يهشما
وقال الزهري : حميتهم : أنفتهم عن الإقرار لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالرسالة والاستفتاح ببسم اللّه الرحمن الرحيم، والذي امتنع من ذلك هو سهيل بن عمرو. وقال ابن بحر : حميتهم :
عصبيتهم لآلهتهم، والأنفة : أن يعبدوا غيرها. وقيل : قتلوا آباءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا في منازلنا، واللات والعزى لا يدخلها أبدا وكانت حمية جاهلية لأنها بغير حجة وفي غير موضعها، وإنما ذلك محض تعصب لأنه صلى اللّه عليه وسلم إنما جاء معظما للبيت لا يريد حربا، فهم في ذلك كما قال الشاعر في حمية الجاهلية :
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غوين وإن ترشد غزية أرشد
وحمية : بدل من الحمية والسكينة الوقار والاطمئنان، فتوقروا وحلموا وكَلِمَةَ التَّقْوى :
لا إله إلا اللّه. روي ذلك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وبه قال علي
، وابن عباس، وابن عمر، وعمرو بن ميمون، وقتادة، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وسلمة بن كهيل، وعبيد بن عمير، وطلحة بن مصرف، والربيع، والسدي، وابن زيد. وقال عطاء بن أبي رباح ومجاهد أيضا :
هي لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. وقال علي بن أبي طالب، وابن عمر، رضي اللّه تعالى عنهما : لا إله إلا اللّه، واللّه أكبر.
وقال أبو هريرة، وعطاء الخراساني : لا إله إلا اللّه، محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأضيفت الكلمة إلى التقوى لأنها سبب التقوى وأساسها. وقيل : هو على حذف مضاف، أي كلمة أهل التقوى.
وقال المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم : كلمة التقوى هنا هي بسم اللّه الرحمن الرحيم، وهي التي أباها كفار قريش، فألزمها اللّه المؤمنين وجعلهم أحق بها. وقيل : قولهم سمعا وطاعة. والظاهر أن الضمير في : وَكانُوا عائد على المؤمنين، والمفضل عليهم محذوف، أي أَحَقَّ بِها من كفار مكة، لأن اللّه تعالى اختارهم لدينه وصحبة نبيه صلى اللّه عليه وسلم.