البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٣٣
عيي في قوله تعالى : وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ «١». وقرأ الجمهور : افعيينا، بياء مكسورة بعدها ياء ساكنة، ماضي عيي، كرضي. وقرأ ابن أبي عبلة، والوليد بن مسلم، والقورصي عن أبي جعفر، والسمسار عن شيبة، وأبو بحر عن نافع : بتشديد الياء من غير إشباع في الثانية، هكذا قال أبو القاسم الهذلي في كتاب الكامل. وقال ابن خالويه في كتاب شواذ القراءات له : أفعينا بتشديد الياء. ابن أبي عبلة، وفكرت في توجيه هذه القراءة، إذ لم يذكر أحد توجيهها، فخرجتها على لغة من أدغم الياء في الياء في الماضي، فقال : عي في عيي، وحي في حيي. فلما أدغم، ألحقه ضمير المتكلم المعظم نفسه، ولم يفك الإدغام فقال :
عينا، وهي لغة لبعض بكر بن وائل، يقولون في رددت ورددنا : ردت وردنا، فلا يفكون، وعلى هذه اللغة تكون الياء المشدّدة مفتوحة. فلو كان نا ضمير نصب، لاجتمعت العرب على الإدغام، نحو : ردّنا زيد. وقال الحسن : الخلق الأول آدم عليه السلام، والمعنى :
أعجزنا عن الخلق الأول، فنعجز عن الخلق الثاني، وهذا توقيف للكفار، وتوبيخ وإقامة الحجة الواضحة عليهم. بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ : أي خلط وشبهة وحيرة، ومنه
قول علي : يا جار أنه لملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله.
مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ : أي من البعث من القبور.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ : هذه آيات فيها إقامة حجج على الكفار في إنكارهم البعث، والإنسان اسم جنس. وقيل : آدم. وَنَحْنُ أَقْرَبُ : قرب علم به وبأحواله، لا يخفى عليه شيء من خفياته، فكأن ذاته قريبة منه، كما يقال : اللّه في كل مكان، أي بعلمه، وهو منزه عن الأمكنة. وحَبْلِ الْوَرِيدِ : مثل في فرط القرب، كقول العرب : هو مني مقعد القابلة، ومقعد الإزار. قال ذو الرمة :
والموت أدنى لي من الوريد والحبل : العرق الذي شبه بواحد الحبال، وإضافته إلى الوريد للبيان، كقولهم : بعير سانية. أو يراد حبل العاتق، فيضاف إلى الوريد، كما يضاف إلى العاتق لاجتماعهما في عضو واحد، والعامل في إذ أقرب. وقيل : اذكر، قيل : ويحسن تقدير اذكر، لأنه أخبر خبرا مجردا بالخلق والعلم بخطرات الأنفس، والقرب بالقدرة والملك. فلما تم الإخبار، أخبر بذكر الأحوال التي تصدق هذا الخبر، وتعين وروده عند السامع. فمنها :

(١) سورة الأحقاف : ٤٦/ ٣٣.


الصفحة التالية
Icon