البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٣٤
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ، ومنها مجيء سكرة الموت، ومنها : النفخ في الصور، ومنها : مجيء كل نفس معها سائق وشهيد. والمتلقيان : الملكان الموكلان بكل إنسان ملك اليمين يكتب الحسنات، وملك الشمال يكتب السيئات. وقال الحسن : الحفظة أربعة، اثنان بالنهار واثنان بالليل. وقعيدة : مفرد، فاحتمل أن يكون معناه : مقاعد، كما تقول : جليس وخليط :
أي مجالس ومخالط، وأن يكون عدل من فاعل إلى فعيل للمبالغة، كعليم. قال الكوفيون :
مفرد أقيم مقام اثنين، والأجود أن يكون حذف من الأول لدلالة الثاني عليه، أي عن اليمين قعيد، كما قال الشاعر :
رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئا ومن أجل الطوى رماني
على أحسن الوجهين فيه، أي كنت منه بريا، ووالدي بريا. ومذهب المبرد أن التقدير عن اليمين قعيد، وعن الشمال، فأخر قعيد عن موضعه. ومذهب الفراء أن لفظ قعيد يدل على الاثنين والجمع، فلا يحتاج إلى تقدير. وقرأ الجمهور : ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ، وظاهر ما يلفظ العموم. قال مجاهد، وأبو الحواراء : يكتب عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه. وقال الحسن، وقتادة : يكتبان جميع الكلام، فيثبت اللّه تعالى من ذلك الحسنات والسيئات، ويمحو غير ذلك. وقيل : هو مخصوص، أي من قول خير أو شر.
وقال : معناه عكرمة، وما خرج عن هذا لا يكتب. واختلفوا في تعيين قعود الملكين، ولا يصح فيه شيء. رَقِيبٌ : ملك يرقب. عَتِيدٌ : حاضر، وإذا كان على اللفظ رقيب عتيد، فأحرى على العمل. وقال الحسن : فإذا مات، طويت صحيفته. وقيل : له يوم القيامة اقرأ كتابك.
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ : هو معطوف على إِذْ يَتَلَقَّى، وسكرة الموت :
ما يعتري الإنسان عند نزاعه، والباء في بِالْحَقِّ للتعدية، أي جاءت سكرة الموت الحق، وهو الأمر الذي أنطق اللّه به كتبه وبعث به رسله، من سعادة الميت أو شقاوته، أو للحال، أي ملتبسة بالحق. وقرأ ابن مسعود : سكران جمعا. ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ :
أي تميل. تقول : أعيش كذا وأعيش كذا، فمتى فكر في قرب الموت، حاد بذهنه عنه وأمل إلى مسافة بعيدة من الزمن. ومن الحيد : الحذر من الموت، وظاهر تحبد أنه خطاب للإنسان الذي جاءته سكرة الموت. وقال الزمخشري : الخطاب للفاجر. تحيد : تنفر وتهرب. ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ، هو على حذف : أي وقت ذلك يوم الوعيد. والإشارة إلى


الصفحة التالية
Icon