البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٣٩
كانت ملأى وقت السؤال، فلا تزداد على امتلائها، كما جاء
في الحديث وهل ترك لنا عقيل من دار
أي ما تركه ومزيد يحتمل أن يكون مصدر أو اسم مفعول. غَيْرَ بَعِيدٍ : مكانا غير بعيد، وهو تأكيد لأزلفت، رفع مجاز القرب بالوعد والإخبار. فانتصاب غير على الظرف صفة قامت مقام مكان، فأعربت بإعرابه. وأجاز الزمخشري أن ينتصب غير بعيد على الحال من الجنة. قال : وتذكيره يعني بعيد، لأنه على زنة المصدر، كالزئير والصليل، والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث. وقال الزمخشري أيضا : أو على حذف الموصوف، أي شيئا غير بعيد. انتهى. وكأنه يعني إزلافا غير بعيد، هذا إشارة للثواب.
وقرأ الجمهور : ما تُوعَدُونَ خطاب للمؤمنين وابن كثير، وأبو عمرو : بياء الغيبة، أي هذا القول هو الذي وقع الوعد به، وهي جملة اعتراضية بين المبدل منه والبدل. ولِكُلِّ أَوَّابٍ : هو البدل من المتقين. مَنْ خَشِيَ : بدل بعد بدل تابع لِكُلِّ، قاله الزمخشري. وإنما جعله تابعا لِكُلِّ، لا بدلا من لِلْمُتَّقِينَ، لأنه لا يتكرر الإبدال من مبدل منه واحد. قال : ويجوز أن يكون بدلا من موصوف أواب وحفيظ، ولا يجوز أن يكون في حكم أواب وحفيظ، لأن من لا يوصف به، ولا يوصف من بين سائر الموصولات إلا بالذي. انتهى. يعني بقوله : في حكم أوأب : أن يجعل من صفته، وهذا حكم صحيح. وأما قوله : ولا يوصف من بين الموصولات إلا بالذي، فالحصر ليس بصحيح، قد وصفت العرب بما فيه أل، وهو موصول، نحو القائم والمضروب، ووصفت بذو الطائية، وذات في المؤنث. ومن كلامهم : بالفضل ذو فضلكم اللّه به، والكرامة ذات أكرمكم اللّه به، يريد بالفضل الذي فضلكم والكرامة التي أكرمكم، ولا يريد الزمخشري خصوصية الذي، بل فروعه من المؤنث والمثنى والمجموع على اختلاف لغات ذلك. وجوز أن تكون من موصولة مبتدأ خبره القول المحذوف، تقديره :
يقال لهم ادخلوها، لأن من في معنى الجمع، وأن تكون شرطية، والجواب الفعل المحذوف، أي فيقال : وأن يكون منادى، كقولهم : من لا يزال محسنا أحسن إليّ، وحذف حرف النداء للتقريب. وقال ابن عطية : يحتمل أن تكون من نعتا. انتهى، وهذا لا يجوز، لأن من لا ينعت بها، وبالغيب حال من المفعول، أي وهو غائب عنه، وإنما أدركه بالعلم الضروري، إذ كل مصنوع لا بد له من صانع. ويجوز أن تكون صفة لمصدر خشي، أي خشيه خشية ملتبسة بالغيب، حيث خشي عقابه وهو غائب، أو خشيه بسبب الغيب الذي