مفاتيح الغيب، ج ١٩، ص : ١١١
وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ [آل عمران : ١٧٩]. ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران : ١٧٩] والجبال هاهنا مثل لأمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ولأمر دين الإسلام وإعلامه ودلالته على معنى أن ثبوتها كثبوت الجبال الراسية / لأن اللّه تعالى وعد نبيه إظهار دينه على كل الأديان. ويدل على صحة هذا المعنى قوله تعالى بعد هذه الآية :
فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ [إبراهيم : ٤٧] أي قد وعدك الظهور عليهم والغلبة لهم. والمعنى : وما كان مكرهم لتزول منه الجبال، أي وكان مكرهم أوهن وأضعف من أن تزول منه الجبال الراسيات التي هي دين محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، ودلائل شريعته، وقرأ علي وعمرو : إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ.
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٤٧]
فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧)
اعلم أنه تعالى قال في الآية الأولى : وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [إبراهيم : ٤٢] وقال في هذه الآية : فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ والمقصود منه التنبيه على أنه تعالى لو لم يقم القيامة ولم ينتقم للمظلومين من الظالمين، لزم إما كونه غافلا وإما كونه مخلفا في الوعد، ولما تقرر في العقول السليمة أن كل ذلك محال كان القول بأنه لا يقيم القيامة باطلا وقوله : مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ يعني قوله : إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا [غافر : ٥١] وقوله : كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة : ٢١].
فإن قيل : هلا قيل مخلف رسله وعده، ولم قدم المفعول الثاني على الأول؟
قلنا : ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلا، إن اللّه لا يخلف الميعاد، ثم قال : رُسُلَهُ ليدل به على أنه تعالى لما لم يخلف وعده أحدا وليس من شأنه إخلاف المواعيد فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته، وقرئ : مخلف وعد رسله بجر الرسل ونصب الوعد، والتقدير : مخلف رسله وعده، وهذه القراءة في الضعف، كمن قرأ قتل أولادهم شركائهم ثم قال : إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ أي غالب لا يماكر ذُو انتِقامٍ لأوليائه.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٨ إلى ٥٢]
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢)
اعلم أن اللّه تعالى لما قال : عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ بين وقت انتقامه فقال : يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وعظم من حال ذلك اليوم، لأنه لا أمر أعظم من العقول والنفوس من تغيير السموات والأرض وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : ذكر الزجاج في نصب يوم وجهين، إما على الظرف لانتقام أو على البدل من قوله : يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ.
المسألة الثانية : اعلم أن التبديل يحتمل وجهين : أحدهما : أن تكون الذات باقية وتتبدل صفتها بصفة